للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيت للفرزدق (١) فلم يفرده بالاستشهاد، وأمَّا الأصل في إيراده شواهد المحدثين من الشعراء أن يستشهد بها في مسائل البلاغة والأدب (٢).

ومن ذلك ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩)} [إبراهيم: ٤٩] (٣)، حيث ذكر أن الإصفاد يأتي في اللغة بِمعنى العطاء، ويأتي بمعنى القيد، فقال: «وقيل: صَفَدتُهُ وأَصْفَدتُهُ جاريانِ في القَيدِ والإعطاءِ جَميعًا، قال النابغة:

........................ ... فَلَمْ أُعَرِّضْ أَبيتَ اللَّعْنَ بالصَّفَدِ (٤)

فالصَّفَدُ العَطاءُ؛ لأَنَّهُ يُقَيّدُ ويُعْبِدُ، قال أبو الطيب:

وقَيّدْتُ نَفسي في ذَرَاكَ مَحبَّةً ... ومَنْ وَجَدَ الإحسانَ قَيدًا تَقيَّدَا (٥)» (٦).

فالقرطبي هنا لم يستشهد ببيت المتنبي لمعنى لغوي للكلمة، وإنما استشهد به استشهادًا معنويًا، وهو أَنَّ العطاءَ سُمِّي صَفَدًا لأَنَّه يُقيّدُ الآخذَ بِمعروفِ المُعطي قَيدًا مَعنويًا، لأنهُ يكون أسيرًا لمعروفه، إِنْ كان حُرًّا يَحفظُ المعروفَ، ولذلك قال المتنبي قبل هذا البيت:

ومَا قَتَلَ الأحرارَ كالعَفْوِ عنهمُ ... ومَنْ لكَ بِالحُرِّ الذي يَحفظُ اليَدَا

إذا أنتَ أَكْرمتَ الكريمَ مَلكتهُ ... وإِنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تَمرَّدا

فالقرطبي لم يستشهد بشعر المتنبي على أنه حجة في اللغة، ولا بغيره من الشعراء المُحدَثِين، وإنما كان يستأنس بشعرهم في مثل هذه المسائل (٧).


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن ١١/ ٢٦٩.
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن ١/ ١٦٢، ٣/ ٢٨٤، ٣٠٦، ٣٣٤، ٤/ ١٥٩، ٣١٣، ٥/ ٩٢، ٢٥١، ٨/ ١٧٠، ٢٦٨، ١١/ ٢٥، ١٣/ ١٧٩، ١٦/ ٣٧، ٣٣٥، ١٨/ ٩٥، ١٩/ ١٤٢.
(٣) إبراهيم ٤٩.
(٤) عجز بيت، صدره: ... هذا الثناءُ فَإِنْ تَسمعْ بهِ حَسَنًا ... انظر: ديوانه ٢٧.
(٥) انظر: ديوانه ٢/ ١٩٥.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ٩/ ٣٨٤.
(٧) انظر: الجامع لأحكام القرآن ٥/ ١٧٤، القرطبي ومنهجه في التفسير للقصبي زلط =

<<  <   >  >>