للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الأديان السابقة، ويظهر ذلك في شعر أمية بن أبي الصلت كثيرًا، وقد كان هذا سببًا في ترك كثير من العلماء الاستشهاد بشعر أمية كما ذكر ابن قتيبة (١) ومن أمثلة ذلك قول أمية بن أبي الصلت:

رَجُلٌ وثَورٌ تَحتَ رِجْلِ يَمِينهِ ... والنّسْرُ للأخرى ولَيثٌ مُرْصَدُ (٢)

فألفاظ هذا البيت واضحة، ولكن المعنى الذي يتحدث عنه من المعاني الغيبية؛ لأنه يصف حَمَلَةَ العَرشِ الذين يحملون عرشَ الرحمن، ولذلك صَدَّقَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في وصفه هذا، وقال: «صَدَقَ، هذه صفاتُ عرش الرحمن». (٣) وقد ذكر الطبري هذا البيت في معرض تفسيره لمعنى البرق في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} [البقرة: ١٩] (٤)، وأنَّ من المعاني التي فُسِّرَ بها البَرْقُ أنه صوتُ حَمَلةِ العرش من الملائكة. (٥) وهذه معانٍ غيبية متعلقة بالآخرة، لم يكن يستوي العرب في معرفتها، بل لا يكاد يعرفها إلا القليل، وأكثر شواهد شعر أمية بن أبي الصلت من هذا القبيل، لاطلاعه على كتب أهل الكتاب. (٦) وقد ذكر ابنُ سلَّام أميةَ فقال: «وكان أمية بن أبي الصلت كثيرَ العجائب، يذكر في شعره خلقَ السموات والأرض، ويذكرُ الملائكةَ، ويذكرُ مالم يذكره أحدٌ من الشعراء، وكان قد شامَّ أهلَ الكتاب» (٧). وذكر الأصفهاني أنَّ «أمية بن أبي الصلت قد قرأ كتاب الله عَزَّوَجَلَّ الأول، فكان يأتي في شعره بأشياء لا تعرفها العرب». (٨) ولذلك كانت بعض أبياته


(١) انظر: الشعر والشعراء ١/ ٤٦١.
(٢) انظر: ديوانه ١٨٥.
(٣) مسند الإمام أحمد ٤/ ٨٨.
(٤) البقرة ١٩.
(٥) انظر: تفسير الطبري (هجر) ١/ ٣٦٥.
(٦) انظر: تفسير الطبري (هجر) ١/ ١١٠، ٣٢١، ٣٦٥، ٤٧٣، ٧٠٣، ٢/ ١٠٣، ٣٦٦، ٤٠٨، ٤٨٣، ٤/ ٥٢٨، ٧/ ٢٨١، ١٠/ ٥٦٩، ١٣/ ١١٤، ٥٥٣، ١٤/ ٩٩، وغيرها.
(٧) طبقات فحول الشعراء ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣.
(٨) الأغاني ٤/ ١٢١، وقد ذكر أمثلة من غريب شعر أمية، وقبله ابن قتيبة أورد عددًا من الأمثلة. وذكر الجواليقي في المعرب ٢٤٠ أن لفظة (ساهور) وهي ما يدخل فيه القمر إذا كسف، لم يسمع عن العرب، ولم يسمع إلا في شعر أمية بن أبي الصلت؛ لأنه كان يستعمل السريانية في شعره.

<<  <   >  >>