للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك أن الطبري عند تفسيره قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: ١٤٣] (١)، وذكر أن بعض المفسرين قد فسَّر «العلمَ» بِمعنى «الرؤية» فقال: «وقال بعضهم: إنما قيل ذلك من أجل أنَّ العربَ تضعُ «العلمَ» مكان «الرؤية»، و «الرؤية» مكان «العلم» ... كما قال جرير بن عطية:

كأَنَّكَ لم تشهدْ لَقِيطًا وحَاجِبًا ... وعَمرَو بنَ عمرٍو إذْ دعَا يالَ دَارِمِ (٢)

بمعنى: كأنك لم تعلم لقيطًا؛ لأنَّ بين هُلكِ لَقيطٍ وحاجبٍ وزمانِ جريرٍ ما لا يخفى بُعْدُه من المُدةِ. وذلك أن الذين ذكرهم هلكوا في الجاهلية، وجرير كان بعد بُرهةٍ مضت من مَجيء الإسلام». (٣) ولعل الطبري يعني أن الفرزدق لم يشهد مهلك هؤلاء لأنه هو المخاطب بالبيت، وقد استعان الطبري بمعرفته التاريخية بموت هؤلاء من بني دارم في الجاهلية، ولا يمكن فهمه إلا بهذا البيان، ولو جهل هذا التاريخ لما صح تفسير الشهادة بالعلم في البيت، لاحتمال أن الفرزدق أدرك مهلك لقيط وحاجب.

ومن أمثلة ذلك أن القرطبي عند تفسيره قوله تعالى: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} [البقرة: ٥٠] (٤) ذكر أن من معاني التغريق القتل، فقال: «والتَّغْريقُ: القتلُ، قال الأعشى:

....................... ... أَلا ليتَ قَيسًا غَرَّقتهُ القَوابِلُ (٥)

وذلك أَنَّ القابلةَ كانت تُغَرِّقُ المولودَ في ماء السَّلَى عام القَحْطِ،


(١) البقرة ١٤٣.
(٢) رواية الديوان: «إذْ دعوا». ولقيط هو ابن زرارة الذي قتل يوم جبلة، وأسر في ذلك اليوم حاجب بن زرارة، وعمرو بن عمرو بن عدس الدارمي. انظر: ديوانه ٢/ ١٠٠٤.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ٣/ ١٦٠.
(٤) البقرة ٥٠.
(٥) عجز بيت، وصدره: أَطَورينِ في عَامٍ غَزَاةٌ ورِحْلَةٌ ... انظر: ديوانه ٢٣٣.

<<  <   >  >>