للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة العناية بروايات الشاهد التي تختلف فيها معاني المفردات، ما ذكره ابن عطية عند قوله تعالى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: ١٣] (١) حيث قال: «وقال مجاهد: الجوابي جمع جوبة، وهي الحفرة العظيمة في الأرض. قال الفقيه الإمام القاضي: ومنه قول الأعشى:

نَفَى الذمَّ عن آَلِ المُحلَّقِ جَفْنَةٌ ... كَجَابيةِ الشيخِ العِراقيِّ تَفْهَقُ

وأنشده الطبري: تَروحُ على آلِ المُحلَّقِ جَفنةٌ

ويُروى: السَّيح، بالسين من غير نقط، وبالحاء غير نقط أيضًا، وهو الماء الجاري على وجه الأرض. ويروى بالشين والخاء منقوطتين. فيقال: أراد كسرى، ويقال: أراد شيخًا من فلاحي سواد العراق غير مُعيَّنٍ، وذلك أنه لِضعفهِ يدَّخرُ الماء في جابيتهِ، فهي تَفْهَقُ أبدًا، فشُبِّهت الجَفنةُ بِها لِعِظَمِها». (٢)

فقد ذكر ابن عطية الروايات المختلفة للبيت، وشرح معنى المفردات على كل رواية، ثم بين معنى البيت إجمالًا.

ومن هذا الباب أو قريب منه ما يصنعه المفسرون من ضبط لموضع الشاهد بالعبارة حتى لا يفهم على غير وجهه، وهذا نوع من شرح البيت، ومن ذلك قول ابن عطية: «وقرأ الجمهور: {تَدَّخِرُونَ} [آل عمران: ٤٩] (٣) بدال مشددة وخاء مكسورة، وهو تفتعلون من ذخرت، أصله تذخرون، استثقل النطق بالذال والتاء لتقاربهما في المخرج، فأبدلت التاء دالًا، وأدغمت الذال في الدال، كما صنع في مُدَّكِر، ومُطَّلِع، بِمعنى مُضطلع، وغير ذلك نحو قول الشاعر (٤):

إِنَّ الكريمَ الذي يُعطيكَ نَائِلَهُ ... عَفوًا ويُظْلَمُ أحيانًا فَيَطَّلِمُ (٥)


(١) سبأ ١٣.
(٢) المحرر الوجيز ١٣/ ١١٧.
(٣) آل عمران ٤٩.
(٤) هو زهير بن أبي سلمى.
(٥) رواية الديوان:
هو الجواد الذي يُعطيكَ نائلَهُ ... عَفوًا ويُظلَمُ أحيانًا فيظَّلِمُ
انظر: ديوانه ١٥٢.

<<  <   >  >>