للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنبأ عن قدرته عَزَّوَجَلَّ وسعة ملكه، وأن لا سبيل لهم إلى النجاة وإلى الخروج عن ملكه وسلطانه. وهذا هو المعنى الذي تَحرَّاه النابغةُ بقوله:

فإِنَّكَ كالليلِ الذي هُو مُدركي (١) ... ...................................

لكنَّ على الآية رونق الإلهية، وتعميم الملك والقدرة بلا مثنوية، وإضافة الفعل إلى موجد الليل والنهار». (٢) فهذه موازنة بين المعنى في الآية، والمعنى في الشاهد الشعري، وبيان وجه تفضيل المعنى في الآية، حيث شبه النابغةُ سعةَ ملكِ النعمان بن المنذر بالليل الذي يدرك كل شيء، فجاءت الآية لتبلغ بسعة ملك الله أوسع مدى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتُبكِّتَ المنكرين.

ومن أمثلة ذلك قول أبي عبيدة وهو يفسر قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: ١١٦] (٣): «هذا باب تفهيم، وليس باستفهام عن جهل ليعلم، وهو يخرج مخرج الاستفهام، وإنما يراد به النهي عن ذلك ويتهدد به، وقد علم قائله أكان ذلك أم لم يكن، ويقول الرجل لعبده: أفعلت كذا؟ وهو يعلم أنه لم يفعله ولكن يحذره، وقال جرير:

أَلَسْتُم خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايا ... وأَنْدَى العَالمَينَ بُطونَ رَاحِ (٤)

ولم يستفهم، ولو كان استفهامًا ما أعطاه عبدالملك مائة من الإبل برعاتها». (٥)

فقد استخرج أبو عبيدة معنى البيت من حال الشاعر وإكرام الخليفة له، واتخذها قرينة تعضد ما ذهب إليه في تفسير البيت، وأنه لا يقصد


(١) صدر بيت، وعجزه:
................................. ... وإِنْ خلتُ أَنَّ المُنتأى عنكَ واسعُ
انظر: ديوانه: ٥٢.
(٢) تفسير الراغب الأصفهاني ٢/ ١٠٣٨.
(٣) المائدة ١١٦.
(٤) انظر: ديوانه ١/ ٨٩.
(٥) مجاز القرآن ١/ ١٨٣.

<<  <   >  >>