للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والبصيرة أيضًا هي المعتَقَدُ المُحصَّلُ في قول الشاعر (١):

راحوا بَصائِرُهُم عَلى أَكتافِهِم ... وَبَصيرَتي يَعدو بِها عَتَدٌ وَأى (٢)

وقال الطبري في شرح البيت: «يعني بالبصيرة: الحجة البينة الظاهرة» (٣).

وقال بعض الناس في هذا البيت: البصيرةُ طَريقةُ الدم، والشاعر إِنَّما يصفُ جَماعةً مشوا به في طلبِ دمٍ ففتروا، فجعلوا الأمرَ وراءَ ظهورهم» (٤).

وفي موضع لاحق في تفسيره عند قوله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠)} [الجاثية: ٢٠] (٥) قال: «والبصيرة في كلام العرب: الطريقة من الدم، ومنه قول الشاعر يَصِفُ جِدَّهُ في طلبِ الثأر، وتواني غيره:

راحوا بَصائِرُهُم عَلى أَكتافِهِم ... وَبَصيرَتي يَعدو بِها عَتَدٌ وَأى

وفسَّر الناس هذا البيتَ بطريقة الدم إذ كانت عادة طالب الدم عندهم أن يجعل طريقةً من دمٍ خلفَ ظهرهِ ليُعلمَ بذلك أنه لم يدركْ ثأرَه وأَنَّه يطلبه، ويظهر فيه أنَّه يريد بصيرةَ القلبِ، أَي: قد اطَّرحَ هؤلاء بصائرَهُم وراء ظهورهم» (٦).

فقد أطال في شرح البيت في الموضع الثاني، وقد شرحه ابن قتيبة (ت ٢٧٦) فقال: «البصيرةُ: الدفعةُ من الدم، أي: دماؤُهم قد خَرجتْ فصارت على أكتافهم، وبصيرتي في جَوفي يعدو بِها فَرسي، يريد أَنَّهم جُرحوا، ويقالُ: بل أرادَ أنَّ الذي طلبوه من الذحولِ - أي الثأر - على


(١) هو الشاعر الجاهلي الأسعرُ بن حُمران بن الحارث الجُعفيُّ.
(٢) انظر: الأصمعيات ١٤١، المعاني الكبير ٢/ ١٠١٣.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ١٢/ ٢٤.
(٤) المحرر الوجيز ٦/ ١٢٤.
(٥) الجاثية ٢٠.
(٦) المحرر الوجيز ١٤/ ٣١٣.

<<  <   >  >>