للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قناعته بأدلة ذلك التفسير، وقد يكون هذا الدليل شاهدًا شعريًا لم يبلغه بالرواية التي يستشهد بها لذلك الوجه، فيرد هذا التفسير لعدم صحة هذه الرواية عنده، في حين تكون هذه الرواية قد صحت عند غيره فيستشهد بها. وقد لاحظت أن أبا عبيدة قد تعقبه المفسرون بعده في كثير من شواهده، وطعنوا في بعض روايات الشواهد التي أوردها، وردوا عليه بالوجه الذي يحتج به هو، وهو شواهد الشعر واللغة، والذي يبدو لي أنه ما دام ثقة في روايته، غير مدخولٍ من هذه الجهة، فإن شواهده التي يتفرد بها تبقى لها قيمتها ووزنها في ميزان العلم، وأنه لا ترد روايته مع الثقة به لمجرد ورود رواية تخالفها عمن هو في مثل درجته من الثقة وسعة الرواية. ولا سيما أن أبا عبيدة من مصادر الشواهد الشعرية عند المفسرين فقد أخذ المفسرون بعده شواهده واستشهدوا بها في تفاسيرهم من الطبري حتى الشنقيطي من المعاصرين، ولا سيما شواهده اللغوية وهي الغالبة على شواهده.

ومن أمثلة رد المفسرين للشواهد التي ارتابوا في صحتها قول الزمخشري عند تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: ٢٢] (١): «والإصراخُ الإغاثةُ، وقُرئَ: «بِمُصرخيِّ» (٢) بكسرِ الياءِ وهي ضعيفةٌ، واستشهدوا لها ببيت مَجهولٍ:

قالَ لَها: هلْ لكِ يَا تَا فيّ ... قالت لهُ: ما أنتَ بالمَرْضِيِّ». (٣)

فقد شكَّكَ الزمخشري في الشاهد، وضعَّف القراءة، والشاهد منسوب للأغلب العجلي. (٤) وقد بالغ الزجاج في رد هذا الرجز فقال: «وهذا الشعر مما لا يتلفت إليه، وعمل مثل هذا سهل، وليس يعرف قائل


(١) إبراهيم ٢٢.
(٢) هي وجه في قراءة حمزة، وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش. انظر: السبعة ٣٦٢، معاني القرآن للفراء ٢/ ٥٧.
(٣) الكشاف ٢/ ٥٥١.
(٤) خزانة الأدب ٤/ ٤٣١.

<<  <   >  >>