للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالطبريُّ قد أَوردَ شاهدين من الشعر للتفريق بين معنى انظرنا من الإنظار، وانظرنا من النظر بالعين الباصرة، وأَنَّ هذين المعنيين هما المعروفان من معاني هذه اللفظة في العربية، وهذا غرض من أغراض الشاهد الشعري اللغوي في الاستدلال به على المعاني الدقيقة، واستعمال العرب لها.

٢ - ومن أمثلة ذلك عند الطبري في تفسيره لمعنى {الْهُونِ} في قوله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: ٩٣] (١) حيث فَرَّقَ بين الهُونِ بضم الهاء وفتحها فقال: «العرب إذا أرادت بالهُونِ معنى الهَوان، ضَمَّت الهاء، وإذا أرادت به الرِّفقَ والدَّعةَ وخِفةَ المؤونةِ، فتحت الهاء». (٢) ثم استدل بقول جندل بن المثنى الطهوي (٣):

ونَقْضَ أَيَّامٍ نقَضنَ أَسْرَهُ ... هَونًا وأَلْقَى كُلُّ شيخٍ فَخْرَهُ (٤)

على فتح الهاء، وبقول ذي الجدنِ الحميريّ:

هَوْنَكُما لا يَرُدُّ الدهرُ ما فاتا ... لا تَهْلِكا أَسفًا في إِثْرِ مَنْ ماتا (٥)

واستدرك الطبري فقال: «وقد حُكِيَ فتحُ الهاء في ذلك بِمعنى الهوانِ، واستشهدوا على ذلك ببيت عامر بن جوين:

يُهينُ النُّفوسَ وهَوْنُ النُّفُوسِ عند الكريهةِ أَغْلى لَها (٦)

والمعروفُ من كلامهم، ضمُّ الهاء منه، إذا كان بمعنى الهَوانِ والذُّلِّ، كما قال ذو الإصبع العدواني:


(١) الأنعام ٩٣.
(٢) تفسير الطبري (شاكر) ١١/ ٥٤١.
(٣) شاعر إسلامي راجز، كان يهاجي الراعي النميري. انظر: سمط اللآلي للميمني ٢/ ٦٤٤.
(٤) لم أعثر عليه عند غير الطبري. .
(٥) السيرة النبوية لابن هشام ١/ ٣٩، الأغاني ١٦/ ٧٠.
(٦) لم أجد من نسبه لعامر غير الطبري، والمشهور أنه للخنساء، وهو في ديوانها ٢١٥، والحيوان ٦/ ٤٢٧، وعيون الأخبار ١/ ١٢٥، وقواعد الشعر لثعلب ٨٧، والأغاني ١٣/ ١٤٢ وغيرها.

<<  <   >  >>