للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفسَّرها بالإسلام محمد بنُ القاسم الأنباري معاصرُ الطبري فقال: «والسِّلْمُ - بكسر السين - الإسلامُ، قال تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: ٢٠٨]، ويقالُ: رجلٌ قديمُ السِّلْمِ، أي: الإسلام». (١)

ويدلك على قول الطبري واختياره هذا أن أبا عمرو بن العلاء قرأ لفظة «السِّلْم» في القرآن كله بفتح السين، سوى هذه التي في سورة البقرة، فإنه كان يخصها بكسر سينها، توجيهًا منه لمعناها إلى الإسلام دون ما سواها. (٢) وهذا من مباحث التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن الكريم. (٣) وقد نقل هذا التفسيرَ القرطبيُّ عن الطبريِّ مع شاهده. (٤)

أَمَّا الكسائيُّ فقد ذهب إلى أَنَّ السِّلْمَ والسَّلْمَ بِمعنًى واحدٍ، وهذا هو رأيُ أكثر البصريين، وهُما جَميعًا يأتيانِ بِمعنى الإسلامِ والمُسالمةِ. (٥) وقد يكون ما ذهب إليه هؤلاء صحيحًا من حيث اللغة، ولكن لم يأت في القرآنِ أمرٌ للمسلمينَ بالصلحِ والمسالمة مع الأعداء ابتداءً، وإنما قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجنح للسِّلْمِ إذا جنحوا لها، وأَمَّا أَنْ يبتدئ بها فلا، وليس كلُّ ما صحَّ في اللغةِ صحَّ حَمْلُ معاني القرآن عليه. (٦)

٢ - عند قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: ٤١] (٧) ذكر ابن عطية قراءة الأعمش وابن مسعود فقال: «وقرأ الأعمش وابن مسعود (مَجْراها ومَرْساها) بفتح الميمين، وذلك من الجَرْي والرُّسُوِّ، وهذه ظرفيةُ مكانٍ. ومن ذلك قول عنترة:


(١) المذكر والمؤنث ١/ ٤٨٦.
(٢) انظر: السبعة ١٨٠، التيسير ٨٠، النشر ٢/ ٢٢٧.
(٣) انظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن لعودة خليل ٢٥١ - ٢٥٤، وفكرة هذا الكتاب جيدة، غير أنه لم يستقص الدلالات في شعر الجاهلية من مظانها، واكتفى بما وجده في المعاجم وبعض كتب التفسير.
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن ٣/ ٢٢.
(٥) انظر: المصدر السابق ٣/ ٢٣.
(٦) انظر: التفسير اللغوي للقرآن الكريم ٦٤٧.
(٧) هود ٤١.

<<  <   >  >>