للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تولَّى هذا الفصلُ من البحث - بِما فيه من مباحث سابقة على هذا المبحث ولاحقة - بيانَ منهج أصحاب كتب غريب القرآن ومعانيه في الاستشهاد والتوثيق والاعتماد على الشاهد الشعري بِما يُغني عن ذكره هنا، وأكتفي هنا ببيان الفرق بين المنهج الذي التزمه أصحاب كتب الغريب، وأصحاب كتب المعاني في استخدام الشاهد الشعري. ويمكن بيان ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: كانت عناية مؤلفي كتب «غريب القرآن» بالشاهد الشعري اللغوي أكثر من غيره، كما في «مجاز القرآن» لأبي عبيدة، و «غريب القرآن» لابن قتيبة، وغيرها من كتب الغريب. في حين كانت عناية أصحاب كتب معاني القرآن بالشاهد النحوي أكثر كما في «معاني القرآن» للأخفش والفراء.

١ - ومن أمثلة الشواهد اللغوية في كتب الغريب قول أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: ٢٠٠] (١): «{وَرَابِطُوا} أي: اثبتوا ودُوموا، قال الأخطل:

ما زالَ فينا رِباطُ الخيلِ مُعْلَمةً ... وفي كُليبٍ رِباطُ اللؤمِ والعارِ (٢)». (٣)

وهذا استشهاد لغوي لبيان معنى الرابط في الآية وأنه بمعنى الثبات والدوام والملازمة لطاعة الله حتى يأتي الأجل. وقد جاء الرابط بهذا المعنى في بيات الشعر الذي أورده للأخطل. وقد استشهد به أهل اللغة على ذلك. قال الأزهري: «وأصل الرباط من مرابطة الخيل، أي ارتباطها بإزاء العدو في بعض الثغور». (٤) وقال ابن منظوو: «والرباط والمرابطة: ملازمة ثغر العدوِّ، وأصلهُ أَن يربطَ كلُّ واحدٍ من الفريقين خيلَهُ، ثم صار لزوم الثغر رباطًا ... والرباط: المواظبة على الأمر». (٥)


(١) آل عمران ٢٠٠.
(٢) انظر: ديوانه ٢٣٤.
(٣) مجاز القرآن ١/ ١١٢.
(٤) تهذيب اللغة ١٣/ ٣٣٨.
(٥) لسان العرب ٥/ ١١٢ (ربط).

<<  <   >  >>