للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك أن يقال: غلب على كتب غريب القرآن ومعانيه إيرادهم للشاهد الشعري اللغوي، بعد بيان معنى اللفظة الغريبة بكلام من عندهم، ثم يستدلون على ذلك بالشعر. ويغلب على هذا البيان النثري الذي يشرحون به اللفظة الغريبة في القرآن الإيجاز والاختصار، وعلى هذا سارت كتب غريب القرآن التي اشتملت على شواهد الشعر، كمجاز القرآن لأبي عبيدة، وغريب القرآن لابن قتيبة، والمفردات للأصفهاني. وكذا كتب المعاني مثل كتاب الفراء والأخفش وغيرهما. ومن أمثلة ذلك ما يلي:

١ - قال أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى: {سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة: ١٢] (١): «أي: وَسَطُ الطريق». ثم استشهد لبيانه هذا بقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

يا وَيْحَ أَنْصارِ النَّبيِّ ونَسْلِهِ ... بعدَ المُغَيَّبِ في سَواءِ المَلْحَدِ (٢)

٢ - ومن الأمثلة أيضًا عند أبي عبيدة قوله عند تفسير قوله تعالى: {فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: ٣] (٣): «أي: مَجاعة». ثُم استشهد بقول الأعشى:

تَبِيتُونَ في المَشْتَى مِلاءً بُطونُكُمْ ... وجَاراتِكُمْ سُغْبٌ يَبِتْنَ خَمائِصا (٤)

أي: جياعًا. (٥)

فبيان أبي عبيدة لمعاني المفردات بيانٌ مختصرٌ موجزٌ مُركَّزٌ، يأتي بما يرادف اللفظة ويبين معناها، ثم يتبع ذلك بشاهد من الشعر العربي الفصيح ليؤكد صحة بيانه وشرحه للفظة.

٣ - وفعل مثل ذلك ابن قتيبة في كتابه الغريب.

ومن أمثلة ذلك عند تفسير قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] (٦) حيث فسرها فقال: «أي: بالعهود. يقال: عَقَدَ لي عَقْدًا، أي: جَعَلَ لي عَهْدًا». (٧)


(١) المائدة ١٢.
(٢) انظر: مجاز القرآن ١/ ١٥٧، ديوان حسان بن ثابت ٩٨.
(٣) المائدة ٣.
(٤) انظر: ديوانه ١٠٩.
(٥) انظر: مجاز القرآن ١/ ١٥٣.
(٦) المائدة ١.
(٧) غريب القرآن ١٣٨.

<<  <   >  >>