للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعرفون دلالاته واختصاراته، ويفهمون ما تعنيه، وإذا أحيل العربي إليه فهمه دون عناء.

٢ - ومن الأمثلة كذلك قول الطبري عند تفسيره لمعنى «السِّنَةِ» في قوله تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: ٢٥٥] (١): «والوَسَنُ: خُثُورةُ النَّومِ، ومنه قول عَدِيِّ بن الرِّقاعِ:

وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ ... في عَيْنِهِ سِنَةٌ وليسَ بِنائِمِ (٢)

ثُمَّ استطرد الطبريُّ لإيضاحِ معنى الوَسَنِ في البيت، والاحتجاج لصحة تفسيره للآية، بشاهدين آخرين من الشعر (٣)، وتتبع معنى السِّنَةِ والوَسَنِ حتى جَلاَّهُ وبَيَّنَهُ أحسنَ بيانٍ، بتتبعه للشواهد الشعرية التي يعضد بعضها بعضًا في إيضاح هذا المعنى، وقد أحسن الطبري التعبيَر عن معنى السِّنَةِ بالخُثُورةِ، وهيَ كلمةٌ تدلُّ على الثِّقَلِ والتجمُّعِ، تطلقُ في الأَصلِ على اللَّبَنِ والعَسلِ إذا ثقلَ وتَجمَّع بعضهُ على بعض. (٤) قال محمود شاكر تعليقًا على قول الطبري هذا: «والمَجازُ منه قولُهم: فلانٌ خاثِرُ النَّفْسِ، أي: ثقيلُها، غَيْرُ طيبٍ ولا نشيطٍ، قد فَتَرَ فُتُورًا. واستعمله الطبريُّ استعمالًا بارِعًا، فجَعلَ للنَّومِ خُثُورةً، وهي شدةُ الفُتُورِ، كأَنَّهُ زالت رِقَّتُهُ واستغلظَ فَثَقُلَ، وهذا تعبيرٌ لَمْ أَجِدْهُ قبلَه». (٥)

وقد فَسَّر الأصفهانيُّ معنى قولِ عديِّ بن الرقاعِ: «وسَنانُ أقصده النعاسُ» فقال: «والوَسْنانُ: النّائِمُ، والوَسَنُ: النَّومُ، الواحدةُ منهُ سِنَةٌ». (٦) وتفسير الطبري للسِّنَةِ أَدَقُّ، فليست السِّنَةُ النومَ، وإِنَّما هي مُقدمتهُ من الخُثُورَةِ والثِّقَلِ كما عَبَّرَ الطبريُّ. ويؤيده الشاهد الثاني وهو


(١) البقرة ٢٥٥.
(٢) انظر: ديوانه ١٢٢.
(٣) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ٥/ ٣٨٩ - ٣٩١.
(٤) انظر: تهذيب اللغة ٧/ ٣٣٣، مقاييس اللغة ٢/ ٢٤٦، لسان العرب ٤/ ٢٧ (خثر).
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ٥/ ٣٨٩ حاشية رقم ١.
(٦) الأغاني ٩/ ٣١٢.

<<  <   >  >>