للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفقيه. فقال: ابنُ جرير؟ قلتُ: نعم. قال: ذاك مِن حُذَّاقِ الكوفيين. قال أبو بكر: وهذا من أبي العباس كثِيْرٌ؛ لأَنَّهُ كان شديدَ النَّفْسِ، شَرِسَ الأخلاق، وكان قليلَ الشهادةِ لأحدٍ بالحِذْقِ في عِلْمِه». (١)

وسأكتفي ببعض الأمثلة من هذه الكتب التي صرح فيها مؤلفوها بكون هذه الشواهد الشعرية شاهدةً لقراءةِ فلان، أو حجةً لها. فمن أمثلة ذلك:

١ - ذكر ابن خالويه قراءة ورش لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: ٣] (٢) وأَنَّهُ يترك الهمزة في قوله: {يُؤْمِنُونَ} فقال: «وروى ورشٌ عن نافعٍ بتركِ الهمزاتِ الساكنات والمتحركات، وحُجتهُ في ذلك أَنَّ الهمزةَ المتحركةَ أثقلُ من الهمزة الساكنة ... أَنشدني ابنُ عَرَفَةَ (٣) شاهدًا لوَرْشٍ:

تَضوَّعَ مِسكًا بَطنُ نَعْمانَ أَنْ مَشَتْ ... بِهِ زينَبٌ في نِسوَةٍ عَطِرَاتِ

وَلَما رَأَت رَكبَ النُّمَيْريِّ أَعرَضَتْ ... وَكُنَّ مِنَ انْ يَلقينَهُ حَذِراتِ (٤)

أرادَ: مِنْ أَنْ، بنقلِ فتحةِ الهمزةِ إلى النَّونِ». (٥)

وهذا احتجاجٌ لُغويٌّ بالشعر على أَنَّ من العرب مَنْ ينقلُ حركةَ الهَمزة إلى الحرف الساكن قبلها لبيانِ الهمزةِ، كما قال سيبويه: «واعلم أَنَّ ناسًا من العربِ كثيرًا يُلقونَ على السَّاكنِ الذي قبلَ الهمزةِ حَركةَ الهمزةِ، سَمِعنا ذلكَ مِن تَميم وأَسَد، يريدون بذلك بيانَ الهمزة، وهو


(١) معجم الأدباء ١٨/ ٦٠.
(٢) البقرة ٣.
(٣) هو إبراهيم بن محمد بن عَرَفَةَ الأزدي النحوي، المعروف بنفطويه المتوفى سنة ٣٢٣ هـ، أخذ عن ثعلب والمُبَرِّد، وكان من أهل السنة، واشتهر بحفظ الشعر ومعرفته. له كتاب في غريب القرآن. انظر: إنباه الرواة ١/ ٢١١ - ٢١٧، بغية الوعاة ١/ ٤٢٨.
(٤) هذان البيتان لمُحمد بن نُميرٍ الثقفي الأموي. انظر: ديوانه ضمن القسم الثالث من كتاب (شعراء أمويون) للدكتور نوري حَمّودي القيسي ١٠٨ - ١٣٤، مجالس ثعلب ١٦٠ - ١٦١.
(٥) إعراب القراءات السبع وعللها ١/ ٥٧.

<<  <   >  >>