للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- سألوا عن قول الله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: ٧٩] (١) وقالوا: «فما عليهم والملك قد صار وراءهم ونجوا منه، وإنما كان الخوف يقع عليهم، لو كان الملك قدامهم؟ ». فقال في جوابهم: «هذا من أضداد الكلام الجائز في لغة العرب، وذلك أن العرب تسمي القدام وراء، ومن ذلك قول الله عَزَّوَجَلَّ: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: ١٧] (٢) يقول: بين يديه، ولو كان العذاب وراءهم كما ظننت، لكانوا قد سلموا منه، والعرب تكلم بهذا فتكثر، قال لبيد بن ربيعة الكلابي:

أَلَيسَ وَرائي إِن تَراخَت مَنِيَّتي ... لُزومُ العَصا تُحنى عَلَيها الأَصابِعُ (٣)

يريد: أليس بين يَديَّ الهَرَمُ والضَعْفُ والكِبَرُ، فصَيَّرَهُ وراءَه وهو بينَ يديه». (٤) وقال ابن الأنباري: «وراء من الأضداد، يقال للرجل: وراءك، أي خلفك، ووراءك أي أمامك» (٥). والرسالةُ تسير على هذا المنوال حتى آخرها، وفيها شَبَهٌ بأسئلةِ نافعِ بن الأزرق لابن عباس.

وهناك طائفة أخرى من الطوائف الإسلامية كان لها عناية شديدة بشواهد الشعر، ولا سيما في تفسيرها للقرآن الكريم، ومناظراتها مع خصومها، وهي طائفة المعتزلة (٦)، وعلى رأسهم مؤسس المذهب وهو واصل بن عطاء (٧)، ومن أبرز من ظهر اهتمامه بحفظ شواهد الشعر


(١) الكهف ٧٩.
(٢) إبراهيم ١٧.
(٣) انظر: ديوانه ١٧٠.
(٤) رسالة الرد على مسائل الإباضية للإمام أحمد بن يحيى ٨٩.
(٥) الأضداد ٦٨.
(٦) المعتزلة فرقة كلامية من الفرق الإسلامية، أسسها واصل بن عطاء الغزال عندما اعتزل مجلس الحسن البصري، وأفتى بأن مرتكب الكبيرة في منْزِلةٍ بين المنْزِلتين، ولمذهبهم أصولٌ خَمسةٌ معروفة هي: العدل، والتوحيد، والمَنْزِلةُ بين المَنْزِلتَيْن، الوعد والوعيد، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انظر: شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار المعتزلي ١٣٣، الملل والنحل للشهرستاني ١/ ٥٤.
(٧) هو أبو حذيفة واصل بن عطاء، مولى بني ضبة أو بني مخزوم، رأس المعتزلة، ومن =

<<  <   >  >>