للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتفكر في المسائل وأجوبتها، والحرص على حفظ الشواهد من شعر العرب، والاختيار منها، وهو دليل على أَنَّ الثقافةَ الأدبية العميقةَ كانت من أَهمِّ أركان ثقافة المتكلمين وعلومهم، وقد ظهر أثر ذلك في كثرة أقاويلهم في تفسير القرآن الكريم، وحَملِهم آياته على غير معانيها، ودونت في كتب التفسير كثير من تأويلات المعتزلة والشيعة والخوارج لآيات القرآن الكريم المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وفي أحيانٍ كثيرة اعتمدَ هؤلاءِ على شواهدِ الشِّعرِ التي يؤيدون بِها مذاهبَهُم وتفسيراتِهم، ومن تفاسيرهم كتاب الكشاف للزمخشري المعتزلي.

وقد كانت شواهد الشعرِ حُجَجًا في أبواب العقيدة من حيث اللغة منذ عهد الرواة الأوائل من التابعين وأتباعهم، فقد جاء عمرو بن عبيد المتكلم المعتزلي إلى أبي عمرو بن العلاء، فقال: يا أبا عمرو، أخلف الله وعده؟ قال: لا، قال: أفرأيت من وعده الله على عمله عقابًا يخلف وعده فيه؟ فقال أبو عمرو: أمن العجمة أتيت أبا عثمان؟ إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعد عارًا ولا خلفًا، والله عَزَّوَجَلَّ، إذا وعد وفى، وإذا أوعد ثم لم يفعل كان ذلك كرمًا منه وتفضلًا، وإنما الخلف أن تعد خيرًا ثم لا تفعله، قال: وأجد هذا في كلام العرب؟ قال: نعم، أما سمعت قول عامر بن الطفيل:

ولا يَرهبُ ابنُ العَمِّ مَا عِشتُ صَولَتي ... ولا أَخْتَفِي مِنْ صَولَةِ المُتَهَدِّدِ

وإِنِّي وإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَو وَعدتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعادِي ومُنْجِزُ مَوعِدي (١)

وتكلَّمَ في هذه الآية: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: ٤٤] (٢) قال: فكيف خرج القول من الفريقين بلفظٍ واحدٍ، وهو وَعدٌ؟ فقال: لأَنَّ


(١) انظر: ديوانه.
(٢) الأعراف ٤٤.

<<  <   >  >>