للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قطربُ هو الذي قالَهُ مالكُ، وهو الصحيحُ في التفثِ، وهذهِ صورة قضاءِ التَّفَثِ لغةً، وأما حقيقتهُ الشرعيةُ فإذا نَحَرَ الحاجُ أو المعتمرُ هَدْيَهُ، وحَلَقَ رأسَهُ، وأَزَالَ وَسَخَهُ، وتطهَّر وتنقَّى، ولَبِسَ الثيابَ، فَيقضي تَفثَهُ». (١)

فقد تنبَّهَ ابنُ العربيِّ مستدركًا على مَنْ نَفَى وجودَ هذه اللفظةِ الغريبةِ في شِعْرِ العَرَبِ، ونقل ذلك القرطبي في تفسيره. (٢) وأميةُ مِمَّن احتجَّ المفسرون بأَشعارِهم في غير موضعٍ من كتبِ التفسير كما تقدم تفصيله، وعبارة أبي عبيدة في أن هذه اللفظة لم ترد في شعر العرب، قد لقيت صدى في كتب أهل اللغة، وعلق عليها عبد السلام هارون فقال: «والبيتُ - أي بيت أمية - حُجةٌ على أبي عبيدة إذ يقول: ولم يَجئ فيهِ شِعْرٌ يُحتجُّ بهِ» (٣)، غير أَنَّ تلميذَهُ الجاحظَ أصاب في قوله: «وما أَقلَّ ما ذَكَرَوا التَّفَثَ في الأشعار» (٤)، بعدَ أَنْ ذَكَرَ بيتَ أُميَّة بن أبي الصَّلْتِ السابق، وبَيَّنَ المقصودَ بالتَّفَثِ، فهو قليل الورود فحسب كسائر غريب اللغة، وإن كان أبو عبيدة لم يقل هذا في «مَجازِ القرآن» حيث مَظِنَّتُهُ، فربما ذكره في موضع آخر.

وهناك شاهد آخر لهذه اللفظة هو قول الشاعر:

قَضَوا تَفَثًا ونَحْبًا ثُمَّ ساروا ... إِلى نَجْدٍ وما انتظرُوا عَليَّا (٥)

والأمثلة على أثر الشاهد الشعري في مسائل الفقه التي بحثها المفسرون قليلة، وهي في تفسير القرطبي أكثر، لعنايته بِمسائل الفقه وفروعه وما يتعلَّق بِها، وأما تفسير الطبري وابن عطية والزمخشري فلم تلتفت لمثل هذه الشواهد كما صنع القرطبي، ولذلك ندرت أمثلتها في كتبهم، ويمكن القول بعد هذا أن أثر الشاهد الشعري في الجانب الفقهي في كتب التفسير لم يكن ظاهرًا، وأن أمثلته قليلة.


(١) المصدر السابق ٣/ ٢٨٥.
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٥٠.
(٣) الحيوان ٥/ ٣٧٧ حاشية المحقق رقم ٢.
(٤) الحيوان ٥/ ٣٧٦ - ٣٧٧.
(٥) لم أعرف قائله. .

<<  <   >  >>