للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظنَّ السَّلوى العسلَ». (١) ولأَنَّ الشَّورَ لا يكونُ إلا للعسلِ، غلَّطَه ابنُ عطية في ذهابه بالسَّلوى إلى العَسَلِ، وهذا مِنْ تَخطئةِ العُلماءِ للشعراءِ، وهو مذهبٌ لبعضِ اللُّغويِّين، وقد تقدمت الإشارة لذلك في البحث.

وقد سبقه في تغليط الشاعر الزجاج، حيث قال تعقيبًا على البيت: «أخطأ خالدٌ، إِنَّما السَّلوى طائرٌ. وقال الفارسيُّ يردُّ على الزجاجِ: السَّلوى كُلُّ ما سلاَّكَ، وقيلَ للعسلِ: سَلوى لأَنَّه يُسلِّيكَ بِحلاوتهِ، وتأتيه عن غَيْرِه مِمَّا تَلحقُكَ فيه مَؤنةُ الطبخِ وغَيرهِ من أنواع الصناعة». (٢) ولم يرتض بعضُ العلماءِ تَخطئةَ الزجاجِ وابن عطية للشاعر، لكونهِ يتكلَّمُ بلهجتهِ ولغةِ قبيلتهِ، وليس إجْماعُ المفسرين على أَنَّ السَّلوى في الآية هي الطائرِ بِمانعٍ أَن تكونَ هذيلُ تُسمِّي العَسَلَ بالسَّلوى، ولا سيما إذا ثبتَ هذا عنها، ورواهُ أهلُ اللغةِ. هذا مع التسليم بدعوى الإجماع التي ذكرها ابن عطية. (٣)

وقد ردَّ القرطبيُّ على ابن عطية في تخطئته للشاعر فقال: «ما ادَّعاهُ من الإجْماعِ لايصحُّ، وقد قال المؤَرِّجُ (٤) أحد علماء اللغة والتفسير إنه العَسَلُ، واستدل ببيت الهذلي وذكَرَ أَنَّه كذلكَ بلغةِ كِنانة، سُمِّي به لأَنه يُسَلَّى بهِ، ومنه عَيْنُ السُّلوانِ، وأنشد:

لو أشربُ السُّلوانَ ما سَلَيْتُ ... ما بِيْ غِنًى عنكِ وإنْ غَنِيْتُ (٥)

وقال الجوهري: والسَّلوى العَسَلُ (٦)، وذكر بيت الهذلي:

........................... ... ألذُّ من السَّلوى إذا ما نَشورها


(١) المحرر الوجيز ١/ ٣٠٦.
(٢) المحرر الوجيز (قطر) ٥/ ٤٥٩.
(٣) انظر: الإجماع في التفسير للخضيري ١٧١ - ١٧٣.
(٤) هو مؤرج بن عمر السدوسي البصري، أحد أعيان أصحاب الخليل بن أحمد، توفي سنة ١٩٥ هـ. انظر: بغية الوعاة ٢/ ٣٠٥.
(٥) الشاهد للعجاج كما في ديوانه ٤٠٦.
(٦) انظر: الصحاح ٦/ ٢٣٨١.

<<  <   >  >>