للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعيدة كما هي حال الصوفية في التفسير الإشاري. والصوفية يكثرون من الاستناد إلى الأشعار في تحقيق المعاني العلمية والعملية، ويجري ذلك في كتبهم، وفي بيان مقاماتهم، «فينتزعون معاني الأشعار، ويَضعونَها للتخلِّقِ بِمُقتضاها، وهو في الحقيقة من المُلَحِ؛ لِما في الأشعار الرقيقةِ من إمالةِ الطِّباعِ، وتَحريكِ النفوس إلى الغرض المطلوب، ولذلك اتخذهُ الوعاظُ دَيدنًا، وأدخلوه في أثناء وعظهم» (١).

ومن الأمثلة في تفسير القشيري عند تفسيره لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] (٢) قال: «الأَهِلَّةُ جَمعُ هلالٍ، مواقيت للناس، لأشغالِهم ومُحاسباتِهم. وهي مواقيتُ لأهلِ القِصَّةِ - أي الصوفية - في تفاوت أحوالهم، فللزاهدين مواقيتُ أورادهم، وأَمَّا أقوامٌ مَخصوصونَ فهي لهم مواقيتُ لحِالاتِهم، قال قائلهم (٣):

أَعُدُّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ ... وقد كنتُ قدمًا لا أعدُ اللياليا (٤)

وقال آخر:

ثَمانٍ قد مضين بلا تلاقٍ ... وما في الصبر فضلٌ عن ثَمانِ (٥)

وقال آخر (٦):

شُهورٌ يَنقضينَ وما شَعرْنَا ... بأنصافٍ لهنَّ ولا سرارِ (٧)» (٨)

فهو هنا أورد ثلاثة أبيات من الشعر، يقصد بها معنى إشاريًا يفهمه الصوفية، غير المعنى الذي تدل عليه بظاهرها.


(١) الموافقات ١/ ١١٦.
(٢) البقرة ١٨٩.
(٣) هو قيس بن الملوح، المشهور بِمَجنون ليلى.
(٤) انظر: ديوانه ٣٤.
(٥) لم أعثر على قائله.
(٦) هو الشاعر الأموي الصمة بن عبدالله القشيري المتوفى سنة ٩٥ هـ.
(٧) السِّرار: الليلة التي يَسْتَسِرُّ فيها القمرُ أي يَختفي. انظر: الأغاني ٦/ ٥، لسان العرب ٦/ ٢٣٥ (سرر)
(٨) لطائف الإشارات للقشيري ١/ ١٤٤.

<<  <   >  >>