للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتضلُّ دونَ وصفهِ، ونَحنُ نذكر لك في تفصيل هذا ما تستدلُّ به على الغرضِ، وتستولي به على الأمَدِ، وتصلُ به إلى المقصدِ، وتتصور إعجازه كما تتصور الشمسَ، وتتيقن بلاغتَه كما تتيقن الفجرَ». (١)

ثم شرع بعد ذلك في عرض آيات من القرآن، مبينًا ما فيها من أوجه البلاغة، ومواطن الإعجاز.

وقد بالغ الباقلاني في الإزراء على معلقةِ امرئ القيس، واستخراج عُيوبِها، مع اعترافه بأنَّ «نقدَ الكلامِ شديدٌ، وتَمييزَهُ صَعبٌ». (٢) ولكنَّهُ سارَ على هذا المنهج، وأوصى بالسَّيْرِ فيه فقال: «وقد بسطنا لك القولَ رجاءَ إفهامِك، وهذا المنهاجُ الذي رأيتهُ، إِنْ سلكتَه يأخذ بيدكَ، ويدلكَ على رشدك، ويغنيك عن ذكرِ براعةِ آيةٍ آيةٍ لكَ». (٣) وكان مدفوعًا إلى هذا الإزراء لما كان من تفضيل بعضهم لشعر امرئ القيس على القرآن بدليل قوله في ختام هذه الموازنة: «إِنَّ الذي عارضَ القرآنَ بشعرِ امرئِ القيسِ لأَضلُّ مِن حِمارِ بِاهِلَةَ، وأَحْمَقُ من هَبَنَّقَةَ». (٤) وهو يريد بذلك بيان مزية القرآن، وأنه متفرد بالبلاغة.

وكان الصوابُ أَن يأتيَ إلى ما أَجْمعت العربُ على استحسانهِ وتقدِيمِه من شعر شعرائها كما في معلقة امرئ القيس، ثُمَّ ينظر في مواطنَ الجمال، وأسبابِ التقديم لهُ على غيره من الشعرِ، حتى إذا تبَيَّنَ له ذلك غايةَ البيانِ، واتضحَ له تَمامَ الاتضاح، جاء إلى القرآن الكريم، فتَلَمَّسَ هذه الأسبابَ فيه، وتدبر في ألفاظه ومعانيه، حتى يرى وجهَ تقدمِ القرآن على غيره من الكلام.


(١) إعجاز القرآن ١٨٣ - ١٨٤.
(٢) المصدر السابق ٢٠٣.
(٣) المصدر السابق ٢٠٤.
(٤) المصدر السابق ٢١١، وهَبنَّقَةُ هو يزيد بن ثروان، أحد بني قيس بن ثعلبة. انظر: مجمع الأمثال ١/ ٢٢٧، وهما مثلان مضروبان لمن بلغ الغاية في الضلال والحمق.

<<  <   >  >>