للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا أمر النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زيدَ بْنَ ثابِتٍ - رضي الله عنه -: أن يتَعَلَّم لغة اليهود (١)، مع أن تعلُّم اللغاتِ الأَجْنَبِيَّة ليس محمودًا ولا مأمورًا به، لكن لمَّا كان وسيلةً إلى مَعْرِفَة ما يأتي من الكتاباتِ من اليهود والرَّدِّ عليهم بِلُغَتِهِم أمره النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أن يتعَلَّم لغة اليهود، وتَعَلَّمَ لُغَةَ اليهودِ في خلال سِتَّةَ عَشَرَ يومًا، لأنَّ زيد بن ثابت - رضي الله عنه - من الأَذْكياء فتعَلَّمَها، ثم إنَّ اللغة العِبْرِيَّة قريبة من اللُّغَة العَربيَّة فسَهُل تَعْليمُها.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أن أصحاب العُقُول هم أهل الاتِّعاظِ؛ لقوله: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أن من لا يتذكَّر فهو ناقِصُ العقل؛ لأنَّه إذا كان لا يتذَكَّر إلا أصحابُ العقولِ، فمن لا يتذكَّر يكون ناقِصَ العقل ولا شكَّ، ونقصان عقله بحسب نَقْصِه من التَّذَكُّر.

ووجه ذلك من النَّاحِيَة العَقْلِيَّة النَّظَرِيَّة: أنَّ الإنسان العاقل لا يمكن أن يختارَ لنفسه إلا ما فيه النَّجاةُ، ولا نجاة من عذاب الله إلا بالتَّذكُّر والاتِّعاظ، فلهذا كان العقل السليم يَسْتَلْزِم أن يتذكَّر الإنسان ويتَّعِظَ من أجل طلب ما هو أحضُّ للنفس وأَنْفَع {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى: ٤].

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: الثَّناء على ذوي العقول؛ حيث جعلهم هم المتذَكِّرينَ المُتَّعِظينَ المُنْتَفِعينَ بما يسمعون.


(١) أخرجه الإمام أحمد (٥/ ١٨٦)، وأبو داود: كتاب العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب، رقم (٣٦٤٥)، والترمذي: كتاب الاستئذان، باب ما جاء في تعليم السريانية، رقم (٢٧١٥)، من حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>