سأله عن الإحسان، فقال:"أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"(١) فإذا عبد الإنسانُ ربَّه كأنه يراه فسوف يعبُدُه حقَّ العبادة؛ لأنَّه يَعبُد اللهَ كأنَّه يرى الله، وهذا تكون عبادَتُه مبنِيَّةً على كمال اليَقينِ، وإذا كانت كذلك فلا بدَّ أن تكون موافِقَةً للأمر، ولا بد أن تكون خالِصَة.
إذن: الإحسانُ تمام الإخلاص، وتمام المُتابَعَة؛ فتمامُ الإخلاصِ وتمام المُتابَعَة؛ لقوله:"أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ ترَاهُ" وعبادة الله على هذا الوَجْه هي مَبْنيَّة على تمام اليقين، وهذه المرتبة أعلى من المرتبة الثانية:"فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" يعني: فإن لم تَعْبُدْه على هذا الوجه فاعْلَمْ أنه يراك.
ويقال: إنَّ الأوَّلَ إحسانُ الطَّلب، والثاني إحسانٌ في الهَرَب؛ (إحسانٌ في الهَرَب) يعني: العابد طلبًا أكْمَل حالًا من العابِدِ هربًا؛ وهذا يلزم منه أن تكون العبادة خالصةً لله متابَعًا فيها شريعَةُ الله.
أما الإحسان إلى عباد الله فيكون بالمالِ والبَدَنِ وهو كثير؛ فقد تُحْسِن إلى عباد الله بالمالِ؛ كالصَّدْقات والهدايا والهِباتِ، وقد تُحْسِن إلى عباد الله بالبَدَنِ كالمساعدة وما أشبه ذلك، وتُعينُ الرَّجُلَ في دابَّتِه فتحْمِلُه عليها أو تَرْفَعُ عليها متاعه، وتعين عباد الله بالجاهِ والشَّفاعَة عند الحاجة إلى ذلك.
المهم: أنَّ الإحسانَ إلى عباد الله مُتَنوِّعٌ كثيرٌ، وقد فسَّرَه بعضهم بأنه كَفُّ الأذى وبَذْلُ النَّدى وطلاقة الوجه؛ فكفُّ الأذى عن النَّاس؛ لأنَّ مَن لم يَكُفَّ أذاه فإنه لم يُحْسِنْ، والثاني: بَذْل الندى. أي: المَعْروف، والثالث: طلاقَة الوجه، بأن تَلقى
(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، رقم (٥٠)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، رقم (٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.