للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨]؛ لكن يجب أن نعلم أننا إذا وصَفْنا الله بالصُّنْع فليس كصِفَتِنا للمخلوق بالصُّنع؛ فالمخلوق إذا كان صانعًا يحتاج إلى أدواتٍ؛ فإن كان نجَّارًا يحتاج إلى منشار، قدوم، مخراق، وما أشبه ذلك، لكن الله عَزَّ وَجَلَّ لا يحتاج، فلما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: ٤٧]، فليس بناءُ الله عَزَّ وَجَلَّ كبناء المَخْلوق يحتاج إلى زِمبيل وإلى لَبِن وإلى طينٍ، فالبناء غيرُ البناء والصُّنع غير الصُّنع، وقد يتوهَّم الإنسانُ أنه إذا وصف الله بالصُّنع، وأنه صانِعٌ قد يتوهَّمُ أنه يحتاج إلى آلاتٍ يَصْنَع بها، ولكن هذا خطأ؛ لأنَّ صُنْعَ الله ليس كصنع البَشَر.

وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: {الْحَكِيمِ} في صنعه] تقييدها بالصُّنْع فيه قصور؛ والصواب: أنَّه (حكيمٌ في صُنْعِه وفي شَرْعِهِ)؛ ولهذا يَخْتِم الله أحيانًا آيات التشريع بالحِكْمَة، كما في قوله تعالى في سورة الممتحنة: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة: ١٠].

فهو حكيم في صُنعه حكيم في شَرْعِه؛ (في صُنْعِه) يعني: جميع مصنوعاته كلِّها مُحْكَمةٌ؛ قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ} قلِّب، فَكِّر: {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} يعني: كَرَّةً بعد أخرى، وفي النِّهايةِ: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: ٤] وهذا من الإحكام في الصُّنع.

أما في الشَّرْع فيقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] وتناقضًا؛ فالقرآن لا يمكن أنْ يتناقَضَ أبدًا؛ وإذا رَأَيْتَ آيةً ظاهِرُها يُناقِضُ الآيةَ الأخرى فاعلم أن ذلك: إمَّا من سوء فَهْمِك، أو من قُصُور عِلْمِك.

<<  <   >  >>