للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن في تَفْسيرِ هذه الآية بما تُفسَّرَ به تلك الآيةُ نظرًا، بل نقول: لهم حَسَنَةٌ، وهذا مُطْلَقٌ، فيُحْتَمَل أنَّ المعنى: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حَسَنةٌ أي: جزاءٌ على إحسانِهِم؛ أي: لكلِّ إحسانٍ يُحْسِنونه حسَنَةً؛ لأنَّ الله تعالى لم يُعَرِّف الكلمة الحسَنَة حتى نقول: إنَّها دَخَلَت عليها (أل) التي للعَهْد، وأيضًا الجَنَّة وصفها الله باسم التفضيل {الْحُسْنَى} التي ليس شيء أحْسَن منها بخلاف {حَسَنَةٌ} وهذه تشبه قول الله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] لأنَّها مطابقة لها.

قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ}: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} ما المناسبة بين قوله: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} وبين قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ}؟ المناسبة: أنَّ مِن جُمْلة الإحسانِ في الدنيا الِهجْرَة لا شكَّ؛ لأنَّ الهجرة من أكبر ما يدُلُّ على صِدْق العامل؛ إذ إن المهاجِرَ يَدَعُ أَهْلَه ووطنه وعَشيرَتَه وماله لله.

وقوله تعالى: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [فَهَاجِرُوا إلَيْهَا مِنْ بَيْن الْكُفَّار وَمُشَاهَدَة المُنْكَرَات] وصدق الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} فإذا ضاقت بك الأَرْضُ يومًا فثَمَّ السَّعَةُ اخرج تَسْلَمْ في دِينك وعِرْضِك، ولا تَشَحَّ بِمَالِكَ ودارِكَ وأَهْلِكَ وعَشيرتِكَ؛ فإن الدِّينَ أغلى من ذلك كُلِّه.

وقوله: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} والدَّارُ التي كانوا فيها ضَيِقة، نعم، هي ضيِّقَة لكنَّ ضِيقَها ضيقٌ معنويٌّ؛ لأنَّ السَّعةَ والضيق في الحقيقَةِ إنما يكون في القَلْب، فكم من إنسان في بيتٍ ضَيِّق، حُجَرُه بِقَدْر فِراشِه، وتجده مسرورًا مُنْشَرِح الصَّدْر، وكم من إنسان في قُصُورٍ مُشَيَّدة ولكنه في ضيق وغَمٍّ؛ فسعة الأرض في الحقيقة بالنِّسْبة للمهاجر واضِحَة جدًّا؛ لأنَّ بقاءه يشاهِدُ المُنْكَرَات ويشاهِدُ ما يؤذيه وما يُؤْلِمُه لا شكَّ أن هذا ضيقٌ.

<<  <   >  >>