للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِكَرَمِه سَمَّى الثَّواب: أجرًا من باب اطمئنان العامِلِ إلى استيفائِهِ؛ لأنَّ الأَجْرَ مقابِلَ عملٍ لا بد أن يُسَلَّمَ، كأنَّ العمل والجزاء معاوَضَة وعَقْد بين الله وبين العابِدِ؛ أنَّ الله يعطيه الثَّمَن؛ الأَجْر مع أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو المتفَضِّل أولًا وآخرًا؛ أولًا بالتَّوفيق للعَمَل، ولولا أنَّ الله أعانك وسَدَّدَك ما قَدَرْتَ، ثم المُتَفَضِّل ثانيًا بالأَجْر.

وقوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} يقول رَحِمَهُ اللهُ: [بِغَيْرِ مكيالٍ ولا مِيزانٍ] يعني: الأَجْرُ الذي يعطيه الله عَزَّ وَجَلَّ عن العَمَل ليس على سبيل التَّدْقيق والمعاوَضَة التي تكون بين العباد؛ فالمعاوَضةُ بين العباد عَدْل، يعني: ما يعطيكَ أَكْثَرَ مما تستحِقُّ، وأما ثوابُ الله عَزَّ وَجَلَّ على الصَّبْر فهو أكْثَرُ، بدون حساب، فالحَسَنَة بعَشْرِ أمثالِها إلى سَبْعِ مئَةِ ضِعْفٍ إلى أضعاف كثيرة، والصَّبْرُ لا حساب له.

إذن: يتوقَّع الصابر بأن له جزاءً لا يدركه عَقْلُه من كَثْرَتِه؛ لأنَّ الله قال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].

كما أنَّ الصَّبْر فيه فائِدَةٌ عظيمة للإنسان نفْسِه، وهو: ترويضُ النَّفْس على التَّحَمُّل، كثيرٌ من النَّاس يريد أن تكونَ الأُمُورُ بِسُرْعة، يدعو الله عَزَّ وَجَلَّ بكَشْفِ ضُرٍّ وتتأخَّر الإجابة، فيقول: لماذا؟ وييأَس، نقول: اصْبِر، وقد يَحْصُل للناس مصائِبُ عامَّة فتجده يريد السُّرْعة في انجلائها، فنقول: اصْبِر، وطِّنْ نَفْسَك على الصَّبْر، هذه تَرْبِيَة؛ أن تُوَطِّنَ نفسَك على الصَّبْر.

والصَّبْرُ مع انْتِظارِ الفَرَجِ يُعْتبَرُ من أعظم العبادات؛ لأنَّك إذا كنت تَنْتَظِرُ الفرج فأنت تَنْتَظِرُ الفرج من الله عَزَّ وَجَلَّ، وهذه عبادة، وقد قال النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ"؛ فكلما اكْتَرَبَتِ الأمورُ فإن

<<  <   >  >>