للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعاني من الصَّبْر عن المعصية أكْثَرَ مما يعاني على الصَّبْر على الطاعة، وكذلك الصَّبْر على البلاءِ قد يعاني منه أكْثَرَ مما يعاني من الصَّبْر على المَعْصِيَة وعلى الطَّاعَة.

لكن نقول من حيث نوعُ الصَّبْر بقطع النظر عن الصَّابِر؛ أفضله: الصَّبْرُ على الطاعة، ثم على المعصية، ثم على الأقدار؛ لأنَّ الصَّبْر على الطَّاعة يحتاج إلى جُهْدٍ نَفْسِيٍّ وجهدٍ بدني، بفعل الطاعة نفْسِها، فمُعالَجَة النَّفْس عندما يؤَذِّن الفَجْر وأنت في الفِراش تبدأ تتمطى وتَسْهو، وتقول: ما زِلْنا مُبَكِّرين، حتى تَفُوتَ الصلاة؛ فهذا يحتاج إلى جُهد، عالِجْ نفسك وقُمْ، أما الصَّبْر على المعصية فيحتاج إلى جُهْدٍ نَفْسِيٍّ فقط؛ لأنَّه كَفٌّ، فتَرْكُ المَعْصِيَة ليس عليك أي تَعَبٍ، لكنَّ النَّفْسَ تَتْعَبُ، إذا كانت المَعْصِيَة مما تدعو إليه النَّفْس وكَفَفْتَ عنها تَعِبَتِ النَّفْسُ لا شك.

وأما الصَّبْر على أقدار الله المؤلِمَة فهو أدناها؛ لأنَّ الأَمْرَ ليس إليك، فالأَمْرُ تَمَّ، فهو كما قال بعضُ السَّلَف: إما أن تَصْبِرَ صَبْرَ الكِرَامِ، وإمَّا أن تَسْلُوَ سُلُوَّ البهائمِ. فهو ليس منك، فأيُّ عمل لا بد أن يُصيبَكَ أصابَكَ؛ ويقولون: إنَّ يُوسُفَ - صلى الله عليه وسلم -؛ إنه ابْتُلِي بأنواع الصَّبْرِ الثلاثة:

أليس هو قد دعا إلى الله وهو في السِّجْن؛ فقال: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: ٣٩] هذا - لا شك - صبْرٌ، إنسانٌ مَسْجونٌ ويدعو النَّاس إلى التَّوحيد!

والصَّبْرُ عن المعصية امتناعُهُ عن موافقة امرأةِ العَزيزِ حين راوَدَتْه عن نفسها.

والصَّبْر على أقدار الله المُؤْلِمة؛ ما حصل من إِخْوَتِه.

وقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}: {أَجْرَهُمْ} أي: ثوابَهم، والله عَزَّ وَجَلَّ

<<  <   >  >>