للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهنا في قوله: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ} لا شكَّ أنه من السَّهْل أن أقول: إنَّ اللَّام بمعنى الباء، يعني أُمِرْتُ بأنْ أَكونَ.

لكن لو أردنا أن نُضَمِّنَ أُمِرْتُ معنًى يناسبُ اللَّامَ؛ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ؛ فهذا يحتاج إلى تأمُّلٍ وتَفْكيرٍ في المعنى؛ لماذا قال: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ}؟

فيمكن أن نُقَدِّرَ: أُمِرْتُ أن أَعْبُدَ الله لِأَنْ أكونَ أَوَّلَ المسلمين، فتكون اللام تعليلًا للفِعْلِ المَحْذوفِ، وهو أن أَعْبُدَ الله لأنْ أكون أوَّلَ المسلمين؛ يعني: وُجِّهَ الأَمْرُ إليَّ أولًا لأنْ أكونَ أَوَّلَ المسلمين؛ أي: المنقادينَ لِأَمْر الله، وحينئذٍ نستفيد من هذا معنيين: معنى الأمْرِ، ومعنى العبادة التي حُذِفَت ليَصِحَّ تَعْليقُ الحَرْفِ بها.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} من هذه الأُمَّة] وكلمة: {أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} الإسلام يُطْلَق على الانقياد، لأنَّه مأخوذٌ من: أَسْلَمَ أَمْرَه إلى غيره، ومنه الاستسلامُ في الحرب؛ لأنَّ المُسْتَسْلِم ينقادُ للغالب الذي غَلَبَه، فالإسلام هو الانقيادُ ظاهرًا.

وبناءً على هذا: يكون المنافقون مُسْلِمينَ ظاهرًا، ولهذا يُطْلَق الإسلامُ على ضعيف الإيمان، كما قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] وأحيانًا يُطْلَق الإسلام على الشَّريعَةِ كُلِّها فيشمل الاستِسْلام ظاهرًا وباطنًا، وهو: الإيمان، ومن ذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]؛ فليس المراد الاستسلامَ الظَّاهِرَ، وإنما المراد: الشَّرائِعُ كُلُّها؛ شرائِعُ الإِسْلام كلُّها، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ} أي: شرائِعَ الإسلامِ كلَّها دينًا.

<<  <   >  >>