للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول أهل العلم: الإسلامُ إذا قُرِنَ بالإيمان فُسِّرَ الإسلامُ بالأَعْمال الظاهرة، والإيمانُ بالأَعْمال الباطِنَة، قالوا: ومن ذلك: حديثُ جِبْريلَ لما سألَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام؛ قال: "أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ"، ولما سأله عن الإيمانِ، قال: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ؛ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ" (١).

أمَّا إذا أُفْرِدَ أَحَدُهُما فإنه يَشْمَل الآخَر؛ فالإسلام إذا ذُكِرَ وحده شَمِلَ جَميعَ الشَّرائع، ومنه: الإيمانُ، والإيمان إذا ذُكِرَ وَحْدَه شَمِلَ جَميعَ الشرائِع، ومنه: الإسلامُ.

ويقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ هنا: [{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} من هذه الأمَّة]؛ وقيَّد الآيةَ مع أنَّها مطلقة؛ لأنَّه رَحِمَهُ اللهُ فَهِمَ أنَّ الأَوَّلِيَّة هنا أَوَّلِيَّة الزَّمَن، وإذا كانت أوَّلِيَّة الزَّمَن فإنه لا يَصِحُّ أن يكون النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أوَّلَ المسلمين؛ لأنَّ قَبْله أُمَمًا مُسْلِمَةً كثيرة، فكان لا بدَّ أن نُقَيِّد هذا بأَوَّلِ المسلمينَ من هذه الأُمَّة؛ ومنه قوله تعالى في سورة الأنعام: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ١٦٢، ١٦٣]؛ فعلى ما مشى عليه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ من الفَهْم نقول: وأنا أوَّلُ المسلمين من هذه الأُمَّة.

وهناك احتمالٌ آخرُ: أنَّ الأوَّليَّة هنا أوَّليَّة الصِّفَة؛ يعني أنني أَسْبَقُ المسلمينَ من حيثُ التَّقَدُّم إلى الإسلام، كما تقول مثلًا لمن يُخاطِبُك: إنْ كان هذا الذي قُلْتَه حقًّا فأنا أوَّلُ من يساهم؛ مثلًا: لو قال إنه فَتَحَ مَشْروعًا في البلد خَيْرِيًّا، فقلتَ: إذا كان حقًّا فأنا أوَّلُ من يساهم؛ يعني أول من حيث الانقياد والصِّفَة؛ هذا احْتِمالٌ، وإذا كان هذا المعنى في الآيَةِ الكريمة فإنَّنا لا نحتاج إلى القَيْدِ الذي قاله المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ؛


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام، رقم (٨)، من حديث عمر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>