قوله:{بِهِ} الضمير يعود على العذاب المَذْكورِ، والباء للسَّبَبِيَّة؛ أي: يخوف بِسَبَبِه، ويجوز أن تقول: للتَّعْدِيَة؛ أي: يُخَوِّف به نَفْسِه.
وقوله:{عِبَادَهُ} قال: [أَيِ المُؤْمِنِينَ لِيَتَّقُوهُ يَدُلُّ عليه: {يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ}] المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ سلك في تفسير الآية أنَّ المرادَ بالعباد هنا: شيءٌ خاصٌّ وهم المؤمنون، مع أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ العُمُومُ، وأنَّ المراد بالعباد هنا من يتعَبَّدون لله بالمعنى العامِّ، وهي العبودية الكَوْنِيَّة؛ لأنَّ العبادة نوعان: عبادةٌ يَتَعَبَّد الإنسانُ لله بالشَّرْع، وهذه خاصَّةٌ بالمؤمنين؛ وعبادَةٌ يتَعَبَّد الإنسان لله بالكَوْن، أي: يكون عبْدًا لله كَوْنًا وقَدَرًا، يفعل الله فيه ما شاء.
فقوله:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم: ٩٣] هل المراد بالآية هنا: العبادة العامَّة، وأنَّ الله يوجِّهُ الخطاب إلى جَميعِ العِبادِ؛ جميع النَّاس أن يتَّقُوه، أو هي خاصَّةٌ؟ يرى المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أنها خاصَّة، ولكن لا دليل على ذلك، وإذا لم يكن هنالك دليلٌ فالأَوْلى إبقاءُ النَّصِّ على عمومه، فكما أنَّ المؤْمِنَ يُخَوَّف بهذا الوَعيدِ فكذلك الكافر، فالكافِرُ أيضًا يُخَوَّفُ، بل إنَّ تَخْويفَ الكافر أَوْكَدُ من تخويف المُؤْمِن؛ لأنَّ مع المؤمن ما يُنْجيه من الخُلْدِ في النار، لكنَّ الكافِرَ ليس معه ما يُنْجيه من الخُلُودِ في النار.
إذن: الأَرْجَحُ العموم؛ وَجْهُه: أنَّ هذا هو ظاهِرُ النَّصِّ، وأنَّ الكافِرَ أَوْلَى أن يُخَوَّف بالنَّارِ من المُؤْمِن؛ لأنَّ مع المؤمن ما ينجو به من الخلود في النَّار، وليس مع الكافر شيءٌ ينجو به، فكيف نَصْرِفُ التَّخويف عمن هو أحَقُّ بالتَّخويفِ؟!
إذن: فالصَّحيح أنَّ المراد بالعباد العُمُوم؛ يعني: يُخَوِّف اللهُ بهذا العذابِ جَميعَ النَّاسِ. ثم وجَّه اللهُ الخطابَ إلى النَّاس عُمُومًا، فقال:{يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ}: {يَاعِبَادِ}