من الجماداتِ، أو المعبود الذي رَضِيَ بِعِبادَتِهم، وأما المعبود الذي عُبد وهو لا يَرْضى بالعبادة فلا يُسَمَّى طاغُوتًا؛ ولهذا لا يُمْكِنُ أن نُسَمِّيَ عيسى بْنَ مريم:(طاغوتًا)؛ وكذلك أيضًا:(المَتْبوعُ)؛ فالعلماء الذين لا يرضون أن يَعْبُدَهم النَّاس ليسوا طواغيتَ، و (المُطاعُ) أيضًا، الأمراء الذين لا يَرْضَوْنَ أن يَعْبُدَهم النَّاس لا يُسَمَّوْن طواغيتَ.
فكلام ابن القيم إذن ليسَ على إطلاقه، ويمكن أن نقول: إنَّ قَوْلَ ابنِ القَيِّم: "ما تجاوز به العَبْدُ حَدَّه من معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاعٍ". أنه عائِدٌ على العمل، يعني: أنَّ الطاغوتَ عَمَلُ الإنسان في معبوداته أو من يُطيعُهُم أو من يَتْبَعُهُم؛ يعني معصية الله في طاعَةِ هؤلاء، فيكون الوَصْف الطغيانُ عائِدًا على الفِعْل لا على المفعول، وحينئذٍ نَسْلَمُ من الإشكال الذي قلنا: إنَّه لا بدَّ أن يُقَيَّد المَعْبودُ والمتبوعُ والمطاعُ بأنه راضٍ.
وعلى كلِّ حالٍ: فإن الطاغوت مأخوذ من الطُّغْيان وهو مجاوَزَةُ الحَدِّ، والصيغة فيه صيغَةُ مبالَغَة.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[الأَوْثان] ففسَّر الطَّاغوت بالمعبودات وهي الأَوْثان؛ ولهذا قال:{أَنْ يَعْبُدُوهَا}: (أن) هذه مَصْدَرِيَّة، وتأويلُ المَصْدَر بعدها منصوبٌ على أنه بدلٌ من الطاغوت، بدل اشْتِمال، فنقول:{أَنْ يَعْبُدُوهَا} في مَحَلِّ نصبٍ بدلٌ من {الطَّاغُوتَ}.
وقوله:{أَنْ يَعْبُدُوهَا} هم يعبدون الأَصْنامَ بِدُعائِها، ولكن يَدَّعُونَ أنَّهُم لا يعبدونها إلا لِتُقَرِّبَهُم إلى الله. وقوله:{وَأَنَابُوا} أَقْبَلُوا إلى الله] والإنابة تكون بمعنى الإِقْبال؛ كما قال المُفَسَّر رَحِمَهُ اللهُ، وتكون بمعنى الرُّجوع؛ أي رَجَعوا إلى الله، والرُّجوع إلى الله يَسْتَلْزِم الإقبال عليه؛ لأنَّ الإنسانَ يَفِرُّ بالمَعْصِيَة بعيدًا عن الله، فإذا تاب وأناب ورجع إلى الله فهو مُقْبِلٌ.