للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى} الجملة هذه خَبَريَّة قُدِّم فيها الخَبَر {لَهُمُ} لإفادَةِ الحَصْر؛ لأنَّ ما كان حَقُّه التَّأخيرَ إذا قُدِّمَ أفاد الحَصْر. وقوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى} الجملة هذه خَبَر {الَّذِينَ}، فالذين اجتنبوا الطاغوت لهم البشرى؛ فتكون هذه الجملة في مَوْضِعِ رَفْعٍ على الخَبَر. والبشرى: ما تَحْصُل به البِشَارة، والبشارة هي في الأصل: الخَبَرُ السَّارُّ، وسُمِّيَ الخبر السارُّ بِشارَةً؛ لأنَّه يظهر أثَرُه على البَشَرَة التي هي الجِلْد، فإنَّ الإنسان إذا أُخْبِر بما يَسُرُّه استنار وَجْهُه وتغَيَّر فسُمِّيَتْ بُشْرَى.

وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [الجَنَّة] هذا لا شك أنه مما يَدْخُل في البشرى، لكنه أعَمُّ مِمَّا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ, كما قال تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: ٦٤] فمن البُشْرَى الرُّؤْيا الصَّالِحَة يراها الإنسانُ لِنَفْسِه أو يراها له مُؤْمِن، فإن هذه مِنَ البُشْرى.

وكما قال النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ" (١)، وقال: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا أَوْ تُرَى لَهُ" (٢)؛ مثل: أنْ يرَى مَن يُبَشَّرُ بالجنة؛ أنْ يرى أنَّه في نعيم، وما أشبهَ ذلك، هذا من البُشْرَى.

ومِنَ البُشْرَى أيضًا: أنْ يُوَفَّقَ للعَمْلِ الصَّالِح، فإذا رأيتَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وفَّقَكَ للعَمَلِ الصَّالِح المبنِيِّ على الإخلاص والمتابَعة لرَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ هذا من البُشْرى.


(١) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة، باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره، رقم (٢٦٤٢)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، رقم (٤٧٩)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>