قال العلماء: إنَّ الجُمْلة الخَبَرِية إذا كان طرفاها مَعْرِفَة فإنها تفيد الحَصْر {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} يعني: لا غَيْر.
وقوله:{هَدَاهُمُ اللَّهُ} يشمل هدايةَ الدَّلالة وهداية التَّوْفيق؛ يعني بَيَّن لهم الحقَّ وعَلِمُوه ثم اهْتَدَوْا به، والنَّاس في هذا المقام ثلاثَةُ أَقْسامٍ:
١ - قِسْمٌ ضلُّوا عن الهدى عِلْمًا وعَمَلًا.
٢ - قِسْمٌ هُدُوا إلى الحَقِّ عِلْمًا وعَمَلًا.
٣ - قِسْمٌ هُدُوا إلى الحَقِّ عِلْمًا ولم يَهْتَدوا إليه عَمَلًا.
فهل يمكن أن نقول: وقِسْمٌ اهتدوا إلى الحَقِّ عملًا، ولم يهتدوا إليه عِلْمًا؟
الجواب: لا يمكن؛ لأنَّه لا عَمَلَ بالحَقِّ إلا بعِلْمٍ بالحَقِّ، فالقِسْمَة رُباعية، لكن الطرف الرابع منها مُمْتَنِع.
إذن: في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} هداية دلالة وتَوْفيقٍ، وإن شِئْتَ فقل: هداية علم وعمل، فالدلالة العِلْم، والتَّوْفيق العَمَل.
وقوله:{هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي: أصحابُ العُقُولِ؛ لأنَّ الإنسانَ كُلَّما كان للحَقِّ أَتْبَعَ كان أكْمَل عقلًا، وكلما نَقَصَ اتِّباعُ الحَقِّ في عقله كان أدَلَّ على قِلَّةِ عَقْلِه، فأَعْقَلُ النَّاس أتْبَعُهُم لدين الله لا شكَّ، لأنَّهُم هم الذين عندهم الحَزْم وانتهاز الفُرَصِ وحِفْظُ الوقت؛ ولهذا قال رَحِمَهُ اللهُ: [{وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} أصحاب العقول].