للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحسن وما حَسُن، فهم يتَّبِعون: {أَحْسَنَهُ}، فمثلًا: إذا سَمِعوا التَّرغيبَ في صلاة اللَّيل، وأنَّ أَكْثَرَها مثلًا إحدى عَشْرَة ركْعَةً، وأدناها ركعة واحدة، فالذي يتبعونه: الإِحْدى عشرة؛ لأنَّها أَحْسَن، وإذا سمعوا الإنفاقَ في طلب العلم، والإنفاق على فقيرٍ ليس في ضرورةٍ يتبعون: على طَلَبِ العِلْم؛ لأنَّهُم يتبعون الأَحْسَن.

إذن: لم يفرطوا في الوَقْت، ولم يفرطوا في الأَفْضَل، بل كانوا يَسْتَمِعون كلَّ قولٍ حَسَن، ويتبعون الأَحْسَن منه، فإن تبعوا الحَسَن وتركوا الأَحْسَن، فإنَّهم لا يُلامون على ذلك، لكنهم ليسوا في قِمَّة الكمال؛ إذ الذي في قمة الكَمالِ هو الذي يتَّبعُ الأَحْسَن؛ قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وهو ما فيه صَلَاحُهُم] لكنَّ الأَصْلَح يَتَّبِعون الأَصْلَح فالأَصْلَح.

قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ}: {أُولَئِكَ} الإشارَةُ للبعيدِ، وإنما أشار إليهم إشارَةَ البَعيدِ مع قُرْبِ ذِكْرِهم للدَّلالة على عُلُوِّ مَنْزِلَتِهم، وهذا يقع كثيرًا في القرآنِ، يُشيرُ الله إلى الشَّيْءِ القَريبِ بِصيغَةِ البَعيدِ لعُلُوِّ مَرْتَبَتِه؛ كما قال الله تعالى: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١ - ٢]؛ لأنَّه يقول: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} الكتابُ قريبُ، لكن إشارة لعُلُوِّ مَرْتَبَتِه؛ وأحيانًا يشير بالقريب لقُرْبِهِ من مريدِهِ، كما في قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: ١٥٥].

يعني ليس بعيدًا عليهم؛ قريبٌ، قريبٌ لهم، {مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ}، وهنا يقول: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} أشار إليهم إشارَةَ البعيد إشارةً إلى عُلُوِّ مَرْتَبَتِهم.

وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} هذه الجُمْلَة خَبَرِيَّة طرفاها مَعْرِفَة، وقد

<<  <   >  >>