للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هناك قِسْمًا آخَرَ، وهم الذين لم يُوفَّقوا، ولم يَهدِهمُ الله تعالى، والآية أَشارَت إليه، والواقِعُ يَشهَد له.

فإن قال قائِل: لماذا لم يَجعَل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الناس على دِينٍ واحِد أُمَّةً واحِدة؟

قلنا: لأن هذا يُنافِي الحِكْمة، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: ١١٨, ١١٩]، ولو لم يُوجَد هذا الانقِسامُ ما مُلِئت النار، ولا دخَلها أحَد، وما عرَف الإنسان قَدْر نِعْمة الله تعالى عليه بالإيمان والعمَل الصالِح، وما مدَحَ مَن آمَن وعَمِل صالِحًا؛ لأن الرجُلَ لا يَستَطيع أن يَخرُج عمَّا عليه الناس، ولو لم يُوجَد هذا لم يَكُن هناك سُوقٌ للجِهاد؛ لأنك لا يُمكِن أن تُجاهِد مَن هو مِثْلك في الإيمان والعمَل الصالِح، ولم يَقُمْ سُوق الأَمْر بالمَعروف والنَّهيِ عن المُنكَر، ولا سُوق الدَّعوة إلى الله تعالى، إلى غير ذلك من المَصالِح الكثيرة التي تَفوت بفَوات هذا الانقِسامِ.

أمَّا مِن حيثُ القُدْرة الإلهية فإن الله تعالى قادِر على أن يَجعَل الناس أُمَّةً وَاحِدة على الدِّين، على الدَّين الحقِّ، ولكن الحِكْمة الإلهية تَأبَى ذلك، وقد علِمْتم شَيئًا من كثيرٍ من حِكْمةِ تَفرُّق الناس إلى مُؤمِن وكافِر.

<<  <   >  >>