وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [وأُقيم فيه الظاهِر مَقام المُضمَر يُفيد مَعانِيَ، منها: أن مَن حَقَّ عليه كلِمة العذاب فهو في النار، لأنه لو قال: أَفأَنْتَ تُنقِذه. لكان الإنسان يَقول: من أيِّ شَيءٍ أُنقِذه، فإذا قال: أَفأَنْتَ تُنقِذ مَن في النار. علِمْنا أن هذا الذي حَقَّ عليه كلِمة العَذاب في النار.
يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: والهمزة للإنكار يَعنِي الهَمزة المَوْجودة في: {أَفَمَنْ} وفي: {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ} وهُما هَمْزة واحِدة على القول بأن الجُمْلتين واحِدة، فَتَكون الثانية تَوْكيدًا للأُولى.
والحاصِلُ: أن الله تعالى يَقول للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: هل مَن حقَّتْ عليه كلِمة العذاب يُمكِن أن تمَنَعه مِنِ استِحْقاقها، وتُنقِذه.
والجَوابُ: أنه لا يُمكِن لا هذا ولا هذا؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَملِك أن يَهدِيَ أحدًا حتى لا تَحِقُّ عليه كلِمة العَذاب، ولا يُمكِن أن يُنقِذ أحَدًا من النار؛ وَيدُلُّ عليه قوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حين نزَل قوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء: ٢١٤] جمَعَ أَقارِبَه وصار يُخصِّصُهم: يا فُلان ابنَ فلان لا أُغنِي عنك من الله شَيئًا. إلى أن قال - صلى الله عليه وسلم -: "يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا"(١)، فهي ابنتُه يَقول لها: المال أَستَطيع أن أَنفَعَكِ به، ولكن لا أُغنِي عنكِ من الله شيئًا، فإذا كان لا يُغنِي عن ابنَتِه شيئًا فمَن سِواها من بابِ أَوْلى.
فإن قال قائِل: كيف نَجمَع بين هذا وبين شفاعة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لعَمِّه أبي طالب
(١) أخرجه البخاري: كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب، رقم (٢٧٥٣)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، رقم (٢٠٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.