ففي قوله تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}[البقرة: ٢٧٥] جاء بضِدِّهم، أَعنِي: الَّذين كفَروا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ}، وفي قوله تعالى:{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}[هود: ١٠٥]، وقوله تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران: ١٠٦]، وانظُرْ إلى قوله تعالى في سورة الكهف لمَّا ذكَر ما للمُؤمِنين من الثواب في الجَنَّة ذكَر ما للكُفَّار من العِقاب في النار، والأمثال في هذا كثيرة جِدًّا.
فقوله تعالى:{مَثَانِيَ} الـ {مَثَانِيَ} مَأخوذ من التَّثنية؛ لأن القُرآن مَثانٍ، يَعنِي: من اثنَيْن اثنَيْن؛ والمَثاني أنه يَقرُن المَعنَى وما يُقابِله، فتَأمَّلِ الآياتِ الكريمةَ تَجِد أنه إذا ذُكِرت النار ذُكِرت بعدها الجنَّة، وإذا ذُكِر أهلُ النار ذُكِر بعدهم أهلُ الجَنَّة، وهكذا، وذلك من أجل أن لا يَملَّ السامِع من موضوعٍ واحِد، ومن أَجْل أن يَتَنقِل من تَخويف إلى تَرغيب فيَنشَط لفِعْل الواجباتِ، ويَحذَر من فِعْل المُحرَّمات، وهذا من أَساليب البَلاغة الكامِلة.
قوله تعالى:{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [تَقشَعِرُّ: تَرتَعِد عند ذِكْر وَعيده {جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} يَخافون ربَّهم]، قوله تعالى:{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ} أي: عند الوَعيد أو ذِكْر النار أو ما يُوجِب الخوف والفَزَع كذِكْر ما حَلَّ بقوم نوحٍ وقوم لوطٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وغيرِهم.
ثُمَّ يَقول: [{يَخْشَوْنَ} يَخافون]، وهذا التَّفسيرُ ضعيف؛ لأنه فُسِّر المعنى بما دونَه، إذ قُلْنا: إن الخَشية هي الخوف مع العِلْم، واستَدْلَلْنا لذلك بقوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: ٢٨].
فلو أن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ قال: يَخشَوْن ربهم خوفًا مَبنيًّا على العِلْم بعظَمته لكان التفسيرُ صوابًا، لكن الآنَ نَعتَبِر التفسير قاصِرًا.