للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي ظلَمه يوم القِيامة، فكان عذاب الدُّنيا أَهوَنَ من عذاب الآخِرة، ويَكون بذلك مُحسِنًا إليه، أو يَترُك للأَحسَن وهو العَفوُ وانتِظار الأَجْر من الله عَزَّ وَجَلَّ؛ قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠].

فالأحوالُ ثلاثة: إمَّا أن يَأخُذ بحَقِّه في الدُّنيا، أو يُؤجِّل حقَّه للآخِرة، أو يَعفو؛ والمَراتِب من الأشَدِّ إلى الأخَفِّ؛ نَقول: إن أشَدَّها أن يُؤخِّر ذلك للآخِرة، ثُم أن يَأخُذ به في الدنيا، ثُم أن يَعفوَ مع أن العَفْو لا بُدَّ فيه من قَيْدٍ؛ أن يَكون في العفو إصلاح، فإن كان في العَفو إفسادٌ بحيث إذا عفَوْنا عن هذا الرجُلِ زاد في شَرِّه وطُغيانه، فهنا الأَخْذ بالحَقِّ أَوْلى من العَفْو، أمَّا إذا علِمنا أن هذا الرجُلَ سيَنظُر إلى العَفو نَظْرة إكبار ويَحسُن خُلُقه بعد ذلك فلا شَكَّ أن العفو أفضَلُ، وهذا الرجُلُ لو عفَوْنا عنه ولم يُصلِح فأَجِّل حقَّك في الآخِرة؛ لأن الله تعالى قيَّد العَفو بالإصلاح، فقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} لكن أَخبِرْه وقُلْ له: (أنت الآنَ ظلَمْتني في كذا وكذا وكذا، وأنا سأُؤَجِّل أَخْذي ليَوْم القِيامة)؛ ولا أَظُنُّ أنك عفَوْت بهذا.

واعلَمْ أن العَفو يَكون مع القُدرة ومع عدَم القُدرة، لكن العَفْو المَحمود هو العَفو مع القُدرة.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنزَل هذا القُرآنَ تِبيانًا لكل شيءٍ، ومنه - أي: من التِّبيان -: ضَرْب الأمثال؛ لأنها تُقرِّب المَعنَى وتَضَع المَعقول في سورة المَحسوس، ومِن ذلك قولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٤١].

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: رحمةُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالعِباد حيث بيَّن لهم هذا البَيانَ التامَّ.

<<  <   >  >>