للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَن كفَر فإن الله تعالى غَنيٌّ عن العالَمِين كلِّهم، لكن رحمته تَأبَى إلَّا أن يُبيِّن لعِباده ما يَحتاجون إليه في أمور دِينهم ودُنياهم، ولهذا قال بعد هذا البَيانِ التامِّ في المثَل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}.

وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وحرف {بَلْ} هنا للإِضْراب الانتِقالي، والإضراب له مَعنَيان:

المَعنَى الأوَّل: إضراب انتِقالي يَعنِي: يَنتَقِل من شيء إلى آخَرَ.

والمَعنَى الثاني: إضراب إِبْطالي، يَعنِي: يُبطِل الأوَّل ويُثبِت الثانيَ.

فإذا قلت: ما قام زَيْدٌ بل عَمرٌو؟ فهذا إضراب إبطال، أي: أَبطَلت الأوَّل وأَثبَتَّ الثانيَ؛ وفي قوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: ٦٦]، هذا انتِقال من مَعنًى إلى مَعنًى أشَدَّ منه.

وفي هذه الآيةِ: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} إضراب انتِقال؛ لأنه لم يَسبِق شيءٌ أَبطَلته.

وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} والمُراد بـ (أَكثَرُهُمْ) هنا: أكثَرُ الناس، كما جاء ذلك في آياتٍ أُخرى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}؛ وانتِفاء العِلْم هنا لانتِفاء لازِمه: العمَل والامتِثال، فأَكثَرُ الناس في جَهْل، وأَكثَرُ الناس في غَيٍّ؛ في جَهْلٍ لا يَعرِفون الحقَّ، وفي غَيٍّ لا يَقبَلون الحقَّ، ولا يَعمَلون به، وكلُّهم يَصِحُّ أن نَنفيَ عنه العِلْم، أمَّا من كان في جَهْلٍ فنَفْي العِلْم عنه واضِحٌ، وأمَّا مَن كان في غَيٍّ مع العِلْم فنَفيُ العِلْم عنه لأنه لم يَنتَفِع به ولم يَعمَل به.

يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{ضَرَبَ اللَّهُ} للمُشرِك والمُوحِّد مثَلًا]، وتَقييد

<<  <   >  >>