نَقول: ذكَرَ الله تعالى هذه الجُملةَ إشارةً إلى أنه لن يَضيع عمَلُك ولا عمَلُهم، فلن يَضيع عمَلُك بدَعْوتك إلى التوحيد، ولن يَضيع عمَلهم بالإِشْراك، فإن لكم مَوْعِدًا ستَجتَمِعون فيه وتَختَصِمون فيه عند الله عَزَّ وَجَلَّ، فيَكون في هذا تَسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفيه تَحذيرٌ للمُشرِكين.
فهو من وَجهٍ: تسلية وتَطمينٌ للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وهو من وجهٍ آخَرَ: تَحذيرٌ للمُشرِكين بأنهم سيَموتون وسيَكون أيضًا مَوتُهم عن قُرْب، وسيَكون مُؤكَّدًا لا إشكالَ فيه.
وقال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{ثُمَّ إِنَّكُمْ} أيُّها الناس فيما بينكم من المَظالِم] وهذا عجَبٌ من المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ حيث صرَف الخِطاب {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ} إلى عُموم الناس، فقال رَحِمَهُ اللهُ:[أيُّها الناسُ] والسِّياق يَأبَى هذا التَّفسيرَ، بل الخِطاب للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومَن كفَر به؛ هذا هو المُتعَيِّن.
وقوله تعالى:{تَخْتَصِمُونَ} أي: في المَظالِم التي بينكم من الحقِّ والباطِل، فأنت تَدعو إلى التَّوْحيد وهم يُنكِرون ذلك، ولكم مَوعدٌ تَختَصِمون فيه.
وقوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ} أيِ: الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومَن كذَّبه {يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}.
وفي قوله تعالى:{عِنْدَ رَبِّكُمْ} إشارة إلى أن هذا الاختِصامَ من مُقتَضى رُبوبيته عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنه حكَمٌ عَدْل، ومِن عَدْله: أنه يَفصِل بين المُتَنازِعين فيه يوم القيامة كما يَفصِل بين المُتَنازِعين في الحُقوق الخاصة.