للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {إِذْ جَاءَهُ} يَعنِي: إذ أَتاه، وليس شيئًا مَنقولًا له، بل هو قد أَتاه مُباشَرةً وأُخبِر به على لِسان الصادِق، فيُكذِّب به، فلو أن أحَدًا حدَّثَنا عن شيخه، وشيخُه عن شيخِه، وشيخُه عن شيخِه، حتى وصَل إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهل يُمكِن أن نُكذِّب هذا إذا كان في أحَد الرواة من هو مُتَّهَم بالكذِب؟

الجَوابُ: نعَمْ يُمكِن، لكن إذا جاءَنا الخبَر من الرسول مُباشَرة فإن تَكذيبه كُفْر؛ ولهذا لو أن أحَدًا من الناس كذَّب حديثًا في أحدِ كُتُب الحديث وقُلْنا له: لمَ كذَّبْت؟ هل عندك شَكٌّ في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاله؟ قال: لا شَكَّ عِندي أنه قاله، لكنه كذِب؛ فنَقول: هذا كافِرٌ؛ لأن الصِّدْق جاء بإِقْراره على نَفْسه، أمَّا لو قال: هذا كذِب لأن أحَدَ الرُّواة كاذِب أو كذَّاب فأنا أُنكِره لهذا. فلا يَكفُر؛ بل قد يَكون هذا هو الواجِبَ عليه إذا كان هذا مُؤدَّى اجتِهاده، ففائِدة قوله تعالى: {إِذْ جَاءَهُ} أنه لا واسِطةَ بينَه وبين مَن جاء بالصِّدْق حتى يُقال: لعلَّ له عُذرًا وأنت تَلوم؛ فليس هناك واسِطة.

ثُمَّ قال الله تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} هذا الاستِفهامُ للتَّقرير، والغالِب: أن هَمزة الاستِفهام إذا دخَلت على ما يُفيد النفيَ الغالِبُ أن تَكون للتَّقرير، وجوابُها يَكون بالإثبات بلَفْظة (بلَى) مِثْل قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: ١]، فالاستِفْهام هنا للتَّقرير، ومَعناه: قد شرَحْنا لك صَدْرك، ومثله قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [التغابن: ٥]، والمَعنَى: قد أَتاكُم، وأَمثِلة ذلك في القُرآن كثيرةٌ.

وكلِمة الكافِرين في قوله تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} إظهار في مَقام الإِضْمار، وكان مُقتَضى السِّياق أن يَقول: ألَيْسَ في جَهنَّمَ مَثوًى له، والإظهار

<<  <   >  >>