للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٤ - ٧]، فمَن تَحقَّق فيه أحَدُ هذه الأَوْصافِ له نَصيبٌ من الوَيْل، لكِنَّ الويلَ كلَّه لا يَكون إلَّا باجتِماع الأَوْصاف.

ومن ذلك قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: ٤٢ - ٤٦]، فهذه أربعة أَوْصاف هي سبَب دُخولهم النارَ، وإذا انفَرَد واحِدٌ منها لم يَكُن دُخولُهم النارَ مُستَحَقًّا، لكن له نَصيبٌ من هذا الوَعيدِ.

وهنا في قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ} وَصْفان هُما: كذَب على الله تعالى، وكذَّب بالصِّدْق؛ فلوِ افتَرَى بدون أن يُكذِّب بالصِّدْق لم يَنطَبِق عليه وَصْف الأَظلَميَّة، لكنه ظالِم، ولو كذَّب بالصِّدْق ولم يَكذِب على الله تعالى كذلك.

فإن قال قائِل: هذه الآيةُ تَدُلُّ على أن مَنِ اتَّصَف بهذَيْن الوَصْفين هو أَظلَمُ الناس. فكيف نَجمَع بينها وبين نُصوصٍ أُخرى تَدُلُّ على مثل هذه الدَّلالةِ، مثل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: ١١٤]، وفي الحديث: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي" (١)، ونُصوص مُتعَدِّدة؟

فالجَوابُ أن نَقول: إن هذه كلَّها تَشتَرِك في وَصْف الأَظْلمية، ولا مانِعَ من أن تَشتَرِك فتَقول مثَلًا: فُلان أصدَقُ الناس. والثاني أيضًا: فُلان أصدَقُ الناس.


(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، رقم (٧٥٥٩)، ومسلم: كتاب اللباس، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم (٢١١١)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>