والثالِث: فُلان أَصدَقُ الناس؛ يَعنِي: اشتَرَكوا في هذه المَرتَبةِ العالية التي أَعلى كل شيء؛ لأن اسمَ التَّفضيل يَدُلُّ على الكَمال في هذه الصِّفةِ.
أو نَقول: إن الأَظْلمية باعتِبار جِنْس هذا الذَّنبِ. فمثَلًا: مِن أشَدِّ الناس ظُلمًا في الكَذِب على الغير: مَن كذَب على الله تعالى، ومن أشَدِّ الناس ظُلمًا في تكذيب الغَيْر: مَن كذَّب بالصِّدْق، وهذا الوجهُ أَقرَبُ، وذلك لأن الاشتِراك في الأَظلمية قد يَمنَع اسم التَّفضيل في الجِنْس الآخَر، يَعنِي: أنه ليس الإنسان يَتَصوَّر تَصوُّرًا تامًّا بأن اشتِراك هذه الأَعمالِ في الأَظْلمية يَقتَضي أن لا يَكون بعضُها أظلَمَ من بعض.
فإذا قُلنا: إن الأَظْلمية هنا باعتِبار جِنْس المُفضَّل عليه، يَعنِي: فمَن أَظلَمُ ممَّن كذَب على الله تعالى في الكاذِبين على الغيرِ الكاذِب على الله تعالى أشَدُّ ظلمًا من الكاذِب على زَيْد وعَمرٍو، والمُكذِّب بما يَحتَمِل الصِّدْق والكذِب ليس كالمُكذِّب بما يَعلَم أنه صِدْق كذَّب بالصِّدْق، إذ جاء؛ كقوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أي: مَن منَع مَساجِد الله تعالى فهو أَظلَمُ ممَّن منَع الغَيْر حقَّه، فلو منَعْت رجُلًا أن يَدخُل بيته لكان مَنْعي لهذا الرجُلِ أن يَدخُل مَسجِد الله تعالى ويُذكَر فيها اسمُه أَظلَمَ.
ومثله قوله تعالى:"مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي" فلو أن أحَدًا ذهَب يَخلُق كخَلقِ فُلانٍ أو فلان ممَّن يَحرُم عليه مُزاحَمته في صَنْعته لكان الذي ذهَب يَخلُق كخَلْق الله تعالى أَظلمَ، وهَلُمَّ جرًّا، وهذا الجوابُ جَوابٌ - كما يُرى - سَديد ولا يَرِد عليه إِشْكال.
والاستِفْهام هنا مَعناه النفيُ، والفائِدة من إتيان النفيِ بصيغة الاستِفهام: التوبيخُ والتقريرُ، وهو مُتضَمِّن مَعنَى التَّحدِّي؛ لأن قوله تعالى:"لَا أَحَدَ أَظْلَمُ"