للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دون قوله تعالى: "فَمَنْ أَظْلَمُ"؛ لأن هذا يَكون مُشرَبًا مَعنَى التَّحدِّي فيَكون نَفيًا وزيادة.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الكذِب على الله تعالى أظلَمُ أنواع الكَذِب؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} وإذا كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقول: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِب عَلَى أَحَدِكُمْ" (١)، فما بالُكم بالكذِب على اللهِ تعالى الذي أَرسلَهُ؟! أي: إذا كان هذا الكذِب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذه المَثابةِ فما بالُكَ بمَن كذَبَ على الله تعالى؟!.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: وجوب التَّحرِّي في تفسير القُرآن؛ لأن المُفسِّر للقرآن شاهِدٌ على الله تعالى بأنه أَراد كذا وكذا، وقد يَكون الأَمْر على خِلاف ذلك فيَكون كاذِبًا على الله؛ ولهذا كان الصحابة الأَجِلَّاء يَتَحرَّزون من التَّفسير من تَفسير القُرآن، وهو نزَل بلُغَتهم وفي عصرِهم ومُشاهَدتهم، ومع ذلك يَتَحرَّزون، سُئِل أبو بَكْر - رضي الله عنه - عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: ٣١] قال: "أيُّ أَرْضٍ تُقِلُّني، وأيُّ سَماءٍ تُظِلُّني إن قُلتُ في كلام اللهِ ما لا أَعلَمُ" (٢) يَعنِي: أنه لا يَعلَم، وهذا مَشهور عند المُفسِّرين وعند غيرِهم، وقد نقَله شيخُ الإسلام في المُقدِّمة (٣).

وعِندنا الآنَ أُناس يُفسِّرون الآية وكأنه ابنُ عباس - رضي الله عنه -، وهو من أَجهَل عِباد الله تعالى! ولا يُبالي أنه يُفسِّر كلام الله تعالى، ولو فسَّر كلام زَيدٍ وعَمرٍو ما هَمَّه


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، رقم (١٢٩١)، ومسلم في مقدمة صحيحه، باب تغليظ الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رقم (٤)، من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في سننه كتاب التفسير رقم (٣٩)، وابن أبي شيبة في المصنف (١٥/ ٤٩٩ - ٥٠٠).
(٣) مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٧١ - ٣٧٢).

<<  <   >  >>