مُدافعتها: أن يَستَعيذ بالله تعالى من الشيطان الرَّجيم، ويَنتَهي يَعنِي: يُعرِض عن هذه التَّقديراتِ، فإن ذلك يَزول، أمَّا إن خضَع لها واستَكان لها واستَمَرَّ فإنها تُهلِكه؛ لأن الشَّيْطان يَقيس قَلْب المرء، فإذا رآه لَيِّنًا هشًّا تَسلَّط عليه حتى يُخرِجه من دِينه ودُنياه - والعِياذُ بالله تعالى - وإذا كان صُلْبًا لا يَقدِر الشيطان أن يَنفُذ فيه، فإنه حينئذٍ يَكون قويًّا تَتكسَّر عليه عِظام الشيطان.
وقد أَوْصى شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تلميذَه ابنَ القَيِّم رَحِمَهُ اللهُ حينما كان يَعرِض عليه بعضَ الشُّبُهات فقال رَحِمَهُ اللهُ:"لا تَجعَل قَلْبك كالإِسْفنجة؛ تَتشَرَّب الماء، ثُم لا يَخرُج منها إلَّا بعَصْرٍ، اجعَلْ قلبك كالزُّجاجة صافية يُرَى مِن ورائِها، ولا يَنفُذ إليها شيء يَرَى ما فيها" يَعنِي: ولا يَنفُذ إليها شيء من هذه الشُّبُهاتِ تَكون صافِيةً نقيَّةً خالية من الشُّبُهات، ولا يَنفُذ إليها شيء، وهكذا يَنبَغي للإنسان أن لا يَخضَع للشيطان في هذه الوَساوِس التي تَرِدُ عليه.
فإذا قال قائِل: هل الإرادة عمَل أو لا؟
أَقول: الإرادة عمَل لكنَّها عمَل قَلْب بخِلاف التَّحديث؛ لأن تَحديث النَّفْس لا يَعنِي الخُضوع للشيء، وإقرار الشيء، لكن الإرادة لا تَكون إلَّا بعد تقرير هذا الشيءِ؛ ولهذا قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الرَّجُلين المُسلِمَيْن يَلتَقيان بسَيْفَيْهما فيَقتُل أحدُهما الآخَرَ قال:"إِذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ" قالوا: يا رسول الله، هذا القاتِلُ فما بالُ المَقتول؟ قال:"لِأَنَّهُ كانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ"(١).
(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، رقم (٣١)، ومسلم: كتاب الفتن، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، رقم (٢٨٨٨)، من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -.