أي: مُتَطابِقة، فكل واحِدة فَوْق الأخرى، وعلى هذا فتَكون الثانية أَوْسَعَ من الأُولى، والثالثة أَوسَعَ من الثانية، والرابعة أَوسَعَ من الثالِثة ... وهلُمَّ جَرًّا، وإذا كان بينهما مَسيرة خمسِ مِئة عام عرَفت سَعة كل سماءٍ بالنسبة لما تَحتَها، وأن سَعَتها عظيمة، ومع هذا فهذه السَّمواتُ التي بهذه السَّعة العظيمة هي بالنِّسبة للكُرسيِّ كحلَقةٍ أُلقِيَت في فَلاةٍ من الأرض كحَلقة المِغفَر صغيرة أُلقِيَت في فَلاةٍ من الأرض، وفَضْل العَرْش على الكُرسيِّ كفَضْل الفَلاة على هذه الحَلقةِ، والرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لا يَقدُر قَدْره إلَّا الله عَزَّ وَجَلَّ.
إِذَنِ: السمواتُ سبع مُتَطابِقة، والأرض واحِدة؛ لأنه قال:{وَالْأَرْضَ}، ولم يَقُل: والأَرَضين؛ نَقول: المُراد بالأرض هنا الجِنْس، فلا يُنافِي أن تَكون سبعًا، وقد أَشار الله تعالى في القُرآن إلى أنها سَبْع في قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[الطلاق: ١٢]، وجاءَت السُّنَّة صريحةً في ذلك في مثل قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْض ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ"(١).
وقوله تعالى:{لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} هذا جَواب سُؤال؛ فيَقولون: الله تعالى هو الذي خلَق السَّمواتِ والأرضَ، ولم يدَّعِ المُشرِكون أن السَّمواتِ والأرضَ كانت قَديمةً غير مُحدَثة، ولم يَدَّعوا أن أحدًا خلَقها سِوى الله تعالى، بل أَقَرُّوا بأن الخالِق هو الله تعالى وحدَه، كما أنهم إذا سُئِلوا: مَن خلَقهم ليَقُولُنَّ: الله. فكلَّما سُئِلوا عن شيء يَتعلَّق بالربوبية نسَبوه إلى الله عَزَّ وَجَلَّ من غير شَريك، فَهُمْ مُقِرُّون بتَوحيد الرُّبوبية غاية الإقرار، يَعلَمون أن الله تعالى هو الخالِق.
وقوله تعالى:{لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} في ضَمِّ هذا الفِعلِ مع اتِّصال نون التَّوْكيد به
(١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض، رقم (٢٤٥٢، ٢٤٥٣)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، رقم (١٦١٠)، من حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه -