للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمَعنَى: مَكْسِيٌّ، وبِناء بمَعنَى: مَبنيٍّ، وغِراس بمَعنَى: مَغروس، وله أمثِلة كثيرة.

يَقول تعالى: {الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ} اللَّام هنا للاختِصاص أو للتَّعدِية؟ جائِز هذا وهذا، والمَعنَى: أن الله تعالى أَنزَل الكِتاب على مُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ليَهتَدِيَ به الناس ويَنتَفِعوا به، والأمر كذلك، فإن الناس انتَفَعوا بهذا القُرآنِ انتِفاعًا لا يُماثِله انتِفاع، فالأُمَّة القُرَشية كانت لا تُساوِي شيئًا عند الأُمَم، وكانوا أذِلَّة وكانوا فُقَراءَ، لهم رِحلة إلى الشام في الصَّيْف وإلى اليَمَن في الشِّتاء؛ لأنه ليس عندهم حرَكة ولا تِجارة ولا أموال، وببعثة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبهذا القرآنِ صاروا سادةَ الأُمَم كما قال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}، وقوله: (آوَى) يَعنِي: آواكَ، وأَوَى بك فكُنْت أبًا للناس بعد أن لم تَكُن، وبعد أن كنتَ يَتيمًا لا أبَ لك؛ ولهذا نَقول: (آوَى) حُذِف المَفعول به من أجل العُموم، يَعنِي: آواك وآوَى بك، وقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}: {فَهَدَى} أي: هداك وهَدَى بك، وقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} يَعنِي: أَغناك وأَغنَى بك؛ ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: "وَكُنْتُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللهُ بِي" (١) فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جاء بالبَرَكة لأُمَّته؛ ولهذا قال تعالى: {أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ}.

وقوله تعالى: {بِالْحَقِّ} لها مَعنَيان:

الأوَّل: {بِالْحَقِّ} يَعنِي: أن ما جاء به هذا القُرآنُ هو الحقُّ، والحقُّ هو الصِّدْق في الأَخبار، والعَدْل في الأَحْكام، كما قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: ١١٥] يَعنِي أن هذا القُرآنَ نزَل بالحَقِّ أي: أتَى بالحَقِّ وهو صِدْق الأَخْبار وعَدْل الأحكام.


(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم (٤٣٣٠)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، رقم (١٠٦١)، من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>