والمَعنَى الثاني:{بِالْحَقِّ} يَعنِي أنه مَصحوبٌ بالحَقِّ، أي: أنه نزولٌ حقٌّ، ليس فيه باطِل كقوله تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: ٢١٠ - ٢١٢]، فهذا يَعنِي أن نُزوله حقٌّ، ليس بباطِل، فإنه لا يَعتَريه الباطِل، قال تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}[فصلت: ٤٢].
وهذا بخِلاف أَخْبار الكُهَّان فكلُّها من الشياطين، كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: ٢١٠ - ٢١٢].
قوله تعالى:{فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ} الفاء هذه مُفرَّعة على ما سبَق، يَعنِي: بعد نزول هذا القُرآنِ انقَسَم الناس فيه إلى قِسْمين: قِسْمٌ اهتَدَى به فانتَفَع، وقِسْمٌ ضلَّ عنه فهلَكَ.
وقوله تعالى:{فَمَنِ اهْتَدَى}: (مَنْ) هذه شَرْطية، وفِعْل الشرط فيها:{اهْتَدَى}، وجَوابه: جُملة: {فَلِنَفْسِهِ}؛ لأن الجُملة هنا اسمِيَّة؛ ولهذا اقتَرَنَت بالفاء كما قال تعالى:{فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ}.
وقوله تعالى:{اهْتَدَى} أي: هِدايةً عِلْمية وهِدايةً عمَلية، فهِداية عِلْمية بأن حرَص على هذا القُرآنِ فحفِظه وتَدبَّره وتَأمَّله، وهِداية عمَلية بأن طبَّق هذا القُرآنَ وعمِل به عَقيدةً وقولًا وفِعْلًا.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: [{فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ} اهتِداؤه] أي: فلنَفْسه اهتِداؤه، أو فهو لنَفْسه.