للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكان المَعنَى: أَنذَرْتهم أو لم تُنذِرْهم، فالمُنقَطِعة أي: بمَعنَى (بل) والهَمزة، وليسَتْ بمعنى (أو).

ونُطبِّق هذا الفَرْقَ على ما معَنا {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} تَكون مُنقَطِعة؛ أوَّلًا: لأنه لم يُذكَر المُعادِل. وثانيًا: لأنها تُقدَّر بـ (بل) والهمزة، فقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: سِواه، (دون) بمَعنَى (سِوى)؛ لا بمَعنَى دون الرُّتبة، بل (مِن دون الله) أي: (مِن سِوى الله).

وقوله تعالى: {اتَّخَذُوا} هنا تَنصِب مَفعولين: الأوَّل: {شُفَعَاءَ}، والثاني: {مِنْ دُونِ اللَّهِ} يَعنِي: اتَّخَذوا من دون الله تعالى آلهةً شُفَعاءَ، ويَجوز أن نَقول: إن المَفعول الأوَّلَ مَحذوف تَقديرُه: آلهة، والثاني: {شُفَعَاءَ}، يَعنِي: أنهم اتَّخَذوا مَعبوداتٍ يَعبُدونها يَدَّعون أنها شُفعاءُ لهم عند الله تعالى، قال الله تعالى عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣]، فصرَّحوا بأنهم يَعبُدون هذه الآلهةَ، ولكنهم يُريدون أن تَكون مُقرِّبةً لهم إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.

وسُبحان الله! كيفَ تَتَّخِذ بمَن عصَيْت اللهَ فيهم وَسيلةً ليُقرِّبوك إلى الله! وهذا من سَفَههم؛ قال رَحِمَهُ اللهُ: [{اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ} أيِ: الأصنام آلِهة {شُفَعَاءَ} عند الله بزَعْمهم]، والشُّفَعاء جَمْع شَفيع، والشَّفيع مَن يَتَوسَّط لغيره بجَلْب مَنفَعة أو دَفْع مَضرَّة، فالشَّفاعة لأهل المَوقِف إذا أَصابَهم الهمُّ والغَمُّ أن يَقضِيَ الله تعالى بينهم من باب دَفْع المَضرَّة، والشفاعة لأهل الجنَّة أن يَدخُلوها من باب جَلْب المَنفَعة.

فالشفاعة هى أن تَتَوسَّط لغيرك بجَلْب مَنفعة أو دَفْع مَضرَّة، وهي لا شَكَّ أنها خير، قال تَعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: ٨٥] إلَّا في بعض المَواطِن كالشفاعة في الحدِّ بعد أن يَصِل إلى السُّلْطان، فإن مَن حالت شفاعته

<<  <   >  >>