وهذا كلام صحيح نَأخُذه من قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: ٥، ٦]، وكذلك قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}[فاطر: ١٤]، بل حتى الذين اتَّخَذوا غير الرُّسُل اتَّخَذوهم مَتبوعين من أهل الضَّلال يَتبَرَّؤُون منهم {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}[البقرة: ١٦٦].
فانظُرْ في القُرآن كُفْر مَن جعَلوا شُرَكاءَ في الرِّسالة، وكُفْر مَن جعَلوا شُرَكاء في العِبادة، لأن كلًّا منهم لم يُحَقِّق شهادة أن لا إلهَ إلَّا الله، وأن محمدًا رسول الله، فالذين اتَّخَذوا شُرَكاءَ في العبادة قال الله عنهم:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}[فاطر: ١٤]، وقال تعالى:{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف: ٦]، والذين اتَّخَذوا شُرَكاءَ في الرسالة قال الله تعالى عنهم:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}؛ لأن المُتابَعة لغير الرُّسُل والمُعارَضة لأقوال الرُّسُل شِرْك مع الرُّسُل في الرسالة؛ لأن الذي يَجِب اتِّباعه من البَشَر همُ الرُّسُل، فإذا جعَل هذا الرجُلُ مَتبوعه بمَنزِلة الرسول عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ فيَأخُذ بقوله فِعْلًا وتَرْكًا وتَصديقًا، فقد جعَله رَسولًا.
ولهذا بعضُ العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ يَقول: إن التوحيد نوعان: تَوْحيد عِبادة، وتَوْحيد رِسالة؛ فتَوْحيد عِبادة فيما يَتَعلَّق بحقِّ الله تعالى، وتَوْحيد رِسالة فيما يَتَعلَّق بحقِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والله تعالى يَقرُن بين هذا وهذا في القُرآن، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: ٦٨، ٦٩].
فالحاصِلُ: أن هؤلاء الذين اتَّخَذوا شُفَعاءَ قد ضَلَّوا ضلالًا مُبينًا؛ لأنها لا تَنفَعهم، قال الله تعالى لنبيِّه عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ: {قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا