للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقوله هنا: {أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا} على رأيِ مَن يَرَى أن حرف العَطْف على مُقدَّر يَقول: أيَتَّخِذونهم شُفَعاءَ ولو كانوا لا يَملكون؛ وعلى الرأيِ الثاني يَقول: الواو حَرْف عَطْف والمعطوف عليه ما سبَق من الجُملة {أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ} يَعنِي: لا يَعقِلون أنكم تَعبُدونها، فالأصنام أَحجار لا تَدرِي، ولا يَعقِلون أيضًا شيئًا من الشفاعة يَدخُلون منه، فهُمْ جهَلة في حالِكم، وجهَلة فيما تَستَحِقُّون.

فقوله الله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{أَمِ} بل] لكنَّنا لا نَقرَؤُها: (أَتَّخَذُوا) بهَمْزة القَطْع؛ لأن القرآن ليستِ الهَمزة فيه هَمْزة قَطْع، لكن لو كان التَّرْكيب في غير القُرآن لقُلْنا: (بلِ اتَّخَذوا من دونه)، وإذا قُلنا: (أَتَّخَذوا) سيَسأَل سائِل: أين ذهَبَت هَمْزة الوَصْل في (اتَّخَذوا)؟ فنَقول: لأنه لمَّا دخَلَت هَمْزة القَطْع على الفِعْل استَغْنَيْنا بها عن هَمْزة الوَصْل؛ لأن هَمزة الوَصْل إنما يُؤتَى بها لسُهولة البَدْء بالساكِن، فإذا لم نَبدَأ به وبدَأْنا بهَمْزة قَطْع استَغْنَيْنا عنها وحذَفناها، قال تعالى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: ١٥٣]، فكلِمة: {أَصْطَفَى} هذه أَصلُها: (اصطَفَى) دخَلت عليها الهَمزة، فلمَّا دخَلَت عليها الهَمزة صِرْنا في غِنًى عن همزة الوَصْل؛ لأن همزة الوَصْل يُؤتَى بها للضَّرورة؛ ولهذا سُمِّيَت: همزة وَصْل يُؤتَى بها للضرورة؛ لئلا نَبتَدِئ بالساكن، فإذا زالَتْ هذه الضرورةُ سقَطَتْ.

ثُم قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ} أيِ: الأصنامَ آلهِةً {شُفَعَاءَ} عند الله بزَعْمهم] يَعنِي: هم صَيَّروا هذه الأصنامَ آلِهة تَشفَع لهم عند الله تعالى.

وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [بزَعْمهم] يَعنِي: لا بحسَب الواقِع؛ لأن هذه الأصنامَ لا تَشفَع لهم، بل إنه في يوم القِيامة يَكفُر مَنِ اتَّخَذ إلهًا مع الله تعالى بعِبادة مَن عبَده،

<<  <   >  >>