للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلَمْ أن الأدِلَّة العَقْلية نَحتاج إليها حاجةً ماسَّةً إذا ضعُف الإيمان، فكلَّما ضعُف الإيمان احتَجْنا إلى الأدِلَّة العَقْلية، وذلك لأن المُؤمِن يَكفيه النَّقْل، أي: يَكفيه السَّمْع، كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]، واحتَجَّتْ عائِشةُ - رضي الله عنها - على التي سأَلَتْها: ما بالُ الحائِض تَقضِي الصوم ولا تَقضِي الصلاة؟ فقالت: كان يُصيبنا ذلك فنُؤمَر بقَضاء الصَّوْم، ولا نُؤمَر بقَضاء الصلاة (١).

فإذا قوِيَ الإيمان كفَى الاستِدْلالُ بالسُّنَّة والقرآن، وإذا ضعُف الإيمان فلا بُدَّ من استِعْمال الدليل العَقْليِّ المُقنِع؛ ولهذا نَجِد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الكِتاب العَزيز يَحتَجُّ كثيرًا بالأمور العَقْلية الحِسِّيَّة على المعاني التي يُريد عَزَّ وَجَلَّ تَقريرها وإثباتها، كإحياء المَوْتى، وما أَشبَه ذلك، ونحن الآنَ في زمَنٍ الإيمانُ فيه ضعيف، والجَدَل فيه كثير، فنَحتاج إلى فَهْم الأدِلَّة العَقلية حتى نَتَمكَّن من إقناع خُصومنا.

ومَعلومٌ الآنَ: أن كثيرًا من الناس لو أُتِيَ بكل آية ما تَبِعها، فإذا أُتي بدليلٍ عَقليٍّ اقتَنَع به! هذا واحِد؛ وتَعلَمون أيضًا: أن أعداء الإسلام والمُسلِمين يَتَحيَّنون الفُرَص في إدحاض حُجَج المُسلِمين، فتَجِدهم في كل مَجلِس يَتكلَّمون في أشياءَ يُشبِّهون بها على الشَّباب المُسلِم، فإذا لم يَكُن لدى الإنسان حُجَّة عَقْلية تَدحَض حُجَّته، فإنه ربما يَنقطِع ويَظهَر ذلك الخَصمُ الأَلَدُّ عليه، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: ٢٠٤].

فأنا أَحُثُّكم على أن تَتَّخِذوا من الأدِلَّة العَقْلية ما يُنجيكم من خَصْمِ أُولئك


(١) أخرجه البخاري: كتاب الحيض، باب لا تقضي الحائض الصلاة، رقم (٣٢١)، ومسلم: كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، رقم (٣٣٥).

<<  <   >  >>